Site icon IMLebanon

أزمة النازحين السوريين: مخاطر متعددة الأبعاد

مقاربة للملف الأكثر تعقيداً بأبعاده السياسية والإنسانية (1 من 2)

أزمة النازحين السوريين: مخاطر متعددة الأبعاد

مع بداية الأزمة السورية في ربيع العام 2011، شرّع لبنان حدوده من دون اعتماد معايير واضحة للداخلين عبر المعابر الرسميّة وغير الرسميّة أو التدقيق في أوراقهم الثبوتية للتأكّد من وضع كل واحد منهم وما إذا كانت تنطبق عليه شروط اللجوء. ولوحظ أيضاً غياب تامّ للأجهزة اللبنانية المختصة في تنظيم وتصنيف النازحين السوريين إلى لبنان بسبب كثافة النزوح وسياسة الحدود المفتوحة وتغليب الاعتبارات الإنسانية التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية. كلّ ذلك كان مظللا بعنوان «النأي بالنفس» في ظلّ انعدام الرؤية السياسية الواضحة لمعالم الأزمة وكيفية التعاطي مع مسألة النزوح.

لم تتحرّك الدولة اللبنانيّة فعلياً إلّا بعد أن تخطّى عدد النازحين 1.3 مليون نازح سوري في أواخر العام الماضي، حينما قرّرت الحكومة الحد من عملية النزوح وطلبت من الأمن العام اللبناني تشديد إجراءاته الحدودية، عبر وضع معايير جديدة تنظّم دخول السوريين الى لبنان والاقامة فيه بينها فرض السمة او الاقامة، على ان توضع موضع التنفيذ بدءاً من اليوم الاثنين.

عندما اعتمدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي سياسة «النأي بالنفس»، سارت بعيون مفتوحة نحو «هاوية» ارتفاع عدد النازحين إلى 805.835 في نهاية العام 2013. قبل ذلك، ارتفع العدد من 18 ألف نازح مسجّـل في نيسان 2012 الى 129 الفاً في نهاية العام 2012، أي بزيادة شهرية تقارب 10 آلاف نازح، ثم ازداد العدد بشكل كثيف في العام 2013 بمعدل يقارب 60 ألف نازح شهرياً، ليصل العدد في نهاية العام 2013 الى 806 الاف نازح سوري. وذلك بحسب إحصاءات أجرتها، في حينه، مفوضية «الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في لبنان» (UNHCR) ويشمل فقط النازحين المسجلين لديها.

ومع ارتفاع العدد، شكلت حكومة ميقاتي لجنة وزارية في نهاية العام 2012، مهمّتها رعاية شؤون اللاجئين وتأمين مستلزماتهم الأوليّة (كالتعليم والاستشفاء..)، لكنها لم تفلح في تأمين مستلزمات النازحين ولا التخفيف من تداعيات النزوح بعدما بلغ الرقم عتبة المليون نازح، إذا أضيف إليهم النازحون الفلسطينيون من سوريا (خصوصاً بعد معركة مخيم اليرموك) ولبنانيون نزحوا من قرى سورية حدودية يحملون جنسيات مزدوجة لبنانية ـــ سورية.

الخطر الأمني باقٍ

بدأ غياب الأجهزة الأمنيّة عن «النزوح الأوّل» إلى لبنان يؤتي «ثماره» في العامين 2013 و2014 مع بروز ظاهرة التفجيرات الإرهابيّة وانعكس مباشرةً على أمن لبنان واستقراره المهتز أصلاً بفعل عوامل محليّة متعددة سابقة للأزمة السورية.

تفاقمت ظاهرة الانتشار العشوائي للنازحين في أكثر من 1400 موقع وفي معظم المناطق اللبنانية، وتحوّلت بعض أماكن إقامتهم الى بؤر أمنية لا تخضع الى سلطة الدولة اللبنانية ورقابتها، وهي ظاهرة بلغت ذروتها مع اندلاع معركة عرسال الأخيرة (2 آب الفائت) ضدّ الجيش اللبناني.

وتؤكّد التقارير الصادرة عن الأجهزة الأمنيّة أن عدد الموقوفين السوريين بتهم قتل وسرقة ومخدرات واغتصاب وغيرها، قد قارب الـ8357 شخصاً بين منتصف 2011 وبداية 2014.

هذه الأرقام، ترتبط أحياناً بالظروف غير الإنسانيّة التي يعيشها عدد كبير من النازحين داخل لبنان، إذ أنّ هذا المناخ والضغوط النفسيّة والحياتيّة قد يجعل البعض منهم عرضة للاستغلال والانجرار وراء ارتكاب المخالفات والتعدي على الأشخاص والأملاك العامة. كما ينمّي عند بعض الأفراد حالا من العداء للخارج حتى ولو كان بيئة متعاطفة، وردّات فعل غير منضبطة وشعوراً بالحقد حتى تجاه البلد المضيف.

وبالإضافة إلى هذه الظروف، فإنّ ازدياد عدد الخارجين عن القانون في صفوف النازحين يعود في بعض الأحيان إلى تشكيكهم في قدرة الأجهزة الأمنية على ملاحقتهم قانونياً. والسبب في ذلك هو عدم قدرة هذه الأجهزة – في الكثير من الأحيان – على تحديد أماكن إقامة عدد من النازحين الخارجين عن القانون والمعلومات الدقيقة عنهم، إذ أنّ عدداً غير محدد من النازحين لا يحملون أوراقاً ثبوتية وليس هناك من وسيلة ناجعة للتأكد من هويتهم الحقيقية.

هذا الخطر الأمني الناتج عن بعض المتسللين السوريين إلى تجمّعات النازحين (وخصوصا في عرسال وجردها)، سيبقى قائماً حسب المعنيين الرسميين، لافتين الانتباه إلى أنّ شريحة واسعة من النازحين قد لا تقتنع أو لا تتمكن من العودة إلى سوريا في المدى المنظور، وغالبيّة هؤلاء الذين سيبقون على الأراضي اللبنانية هم ممّن يخافون من التعرّض لملاحقات قانونيّة في بلادهم إذا ما استتبّ الأمن هناك. عكس أولئك الذين سيسارعون إلى حزم حقائبهم للمساهمة في إعادة الإعمار، بعد تعرّضهم لظروف معيشيّة قاسية في لبنان.

..آخر الدواء الكيّ

سارت حكومة الرئيس تمّام سلام في بادئ الأمر على خطى حكومة نجيب ميقاتي في التعامل العشوائي مع ملف النازحين. ففي الأشهر السبعة الاولى من العام 2014، بلغ عدد النازحين السوريين حوالي 332 الف نازح اي بزيادة شهرية وسطية توازي 40 الف نازح، ما يدل على عدم حصول أي تباطؤ في تدفق أعداد اللاجئين السوريين إلى لبنان.

ولم تبدأ الحكومة العمل بخطّة طوارئ تلحظ بها حجم المخاطر الأمنية التي يضاف إليها أيضاً الأعباء الاقتصاديّة والاجتماعيّة إلا في 31 حزيران الفائت. حينها فاجأ وزير الداخليّة والبلديّات نهاد المشنوق بإصداره بياناً طلب فيه من جميع النازحين السوريين والمسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الامتناع عن الدخول إلى سوريا اعتباراً من أول حزيران تحت طائلة فقدان صفتهم كنازحين في لبنان.

في البداية، اعتبر البعض هذا الأمر هو ردّة فعل سياسيّة للمعارضين للنظام السوري، بعد أنّ توجّه عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلادهم للإدلاء بأصواتهم ومن ثم عودتهم إلى لبنان بصفتهم نازحين. فغالبيّة أصوات هؤلاء صبّت لصالح الرئيس بشّار الأسد، تماماً كما حصل في مشهد «تظاهرة الانتخاب» التي جرت أمام السفارة السورية في اليرزة في 28 أيّار الفائت.

إلا أنّ إجراء المشنوق لم يكن كافياً لا سيّما أن التقديرات الرسميّة للمؤسسات المحليّة المعنيّة والمنظمات الدوليّة كانت تتوقّع أن يبدأ لبنان العام 2015 مع أكثر من 1.7 مليون نازح ينتشرون في أراضيه.

الاجراء الثاني تمثل في اتخاذ اللجنة الوزارية المعنية بملف النازحين قراراً في 23 تشرين الأوّل الماضي بإيقاف اللجوء كسياسة معتمدة، وتكليف الأجهزة الأمنية تنفيذ الإجراءات لضبطه من دون اعتماد سياسة إقفال الحدود.

وقد أدّى هذا الإجراء بالإضافة إلى قرار وزير الداخليّة، إلى خفض عدد النازحين إلى أكثر من مئتي ألف نازح عادوا إلى بلادهم، ومن المتوقّع أن ينخفض الرقم أكثر مع بدء تنفيذ اجراءات الأمن العام، وذلك بهدف الوصول إلى رقم شبه ثابت للنازحين. إذ أنّ شرط نجاح أي خطّة تعتمدها الحكومة لمعالجة هذا الملف هو حصر العدد.

وحدة المسار والمصير التي عاشها لبنان مع «الشقيقة» في زمن السلم، يتكبّد اليوم أثمانها بأكثر من 1.3 مليون نازح سوري (أي أكثر من 30 % من عدد السكان في لبنان)، بينما تشير احصاءات الأمم المتحدة (UNHCR) الى وجود حوالي 1.143.872 نازحا سوريا مسجّلين في «مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين» حتى شهر كانون الأوّل الماضي. وتتوقع «الأسكوا» و»المفوضية» وصول عدد النازحين الى ما بين 1.6 و2.3 مليون لاجئ في لبنان في المرحلة المقبلة.