ليست المرة الأولى التي يُفتح فيها ملف النازحين السوريين على مصراعيه، مع كل حادثة أمنية يحضر إلى واجهة البحث مجدّداً، ويُفتح «بازار» التصريحات السياسية والمزايدات ثم يتراجع. لم يكن ما سمعه وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار في بروكسل جديداً على مسامع الوزراء في الحكومة ورئيسها. المنطق ذاته سبق أن سمعه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وتحرّك على أثره فاستدعى سفراء الدول الغربية المعتمدة في لبنان لتوضيح الموقف والتحذير من انفجار الملف اجتماعياً وأمنياً. المجتمع الدولي لن يسمح للبنان بإعادة النازحين ويُعوّل على اندماجهم في المجتمع. أقلّه هذا ما تفصح عنه خطط المساعدات التي تعدّها المنظّمات الدولية.
إلى بروكسل يتوجّه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومعه وزير الخارجية الشهر المقبل، حيث تستضيف العاصمة البلجيكية اجتماع قادة دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة موضوعات تحتل صدارة البحث حالياً من بينها مسألة النزوح السوري في لبنان، الذي يسعى إلى حضّ الاتحاد الأوروبي على اتخاذ موقف مؤيّد لعودة النازحين إلى سوريا، ما دام المجتمع الدولي يقرّ ويعترف بوجود مناطق آمنة يمكن لهؤلاء العودة إليها.
تقصد الحكومة الاتحاد الأوروبي بينما كان عليها التوجّه نحو سوريا كونها الدولة المعنية مباشرة. منذ أوكل رئيس الحكومة إلى وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين البحث في الملف مع الجهات المعنية في سوريا، لم تنتهِ زيارته بأكثر من وعود ومواقف لم تتبلور في حلول عملية. باعتراف السوريين فإنّ الزيارة لم تنجح في الشكل ولا في المضمون. ذلك أنّ رئيس الحكومة أوكل المهمة الى وزير حليف لسوريا ظناً منه أنّ بإمكانه المونة على أصدقائه في سوريا. خاب الظنّ بعدما تبيّن أنّ سوريا تريد تفويضاً رسمياً من رئيس الحكومة. قبله قصدها بو حبيب وتمّ الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة واتخاذ إجراءات تمهيدية، لكن الأمور توقفت ولم يستكمل البحث.
وعلى خلفية مقتل باسكال سليمان على يد عصابة سرقة سورية علت صرخة لبنان في اتجاه المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بعدما كانت أبلغته قبرص احتجاجها على هجرة النازحين عبر الحدود البحرية اللبنانية ووعدت بالمساعدة لدى الأوروبيين، لكن المشكلة لا تزال هي ذاتها، إذ إن الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا وألمانيا، لا تزالان ترفضان عودة النازحين إلى سوريا، كما أنّه لا ضوء أحمر أميركياً لهذه العودة، فضلاً عن أنّ مفوضية اللاجئين مصرّة على مساعدتهم على أرض لبنان.
ومحلياً ليست معروفة القدرة على تطبيق الإجراءات التي أعلنتها الحكومة حيال الحدّ من النزوح وإجبار النازحين على العودة إلى بلادهم وقد تداخلت في استضافتهم عوامل اقتصادية ومنافع شخصية وأسباب سياسية وأمّنت لهم أرضية آمنة وسط ظروف عيش أفضل من تلك التي تنتظرهم في بلدهم.
تستغرب مصادر مطلعة على موقف سوريا كيف أنّ الحكومة اللبنانية لم تتخذ أي إجراءات تنسيق حيال العودة التي تعمل عليها مع المجتمع الدولي. ثمة إجراءات قانونية ليست نافذة بين البلدين من بينها اتفاقية استرداد الموقوفين، فضلاً عن أنّ لبنان لم يوقّع الاتفاقية العربية لتبادل المحكومين والاتفاقية المشتركة مع سوريا في هذا الشأن لم تبرم منذ اتفق عليها عام 2010. لذلك كان الأجدى التنسيق مع الحكومة السورية حول الخطوات القانونية.
مصادر سياسية لبنانية تخوفت من أن يكون الجانب اللبناني حذراً حيال التنسيق مع الحكومة السورية التزاماً بقرار العقوبات المفروض على سوريا، وتتخوف من أن يكون الاستنفار الحالي مجرد خطوات سياسية لا يركن إليها، ذلك أنّ سوريا لا تزال تعتبر أنّ عودة النازحين لها شروطها وأولها إعادة الإعمار ورفع العقوبات، ولو أنّها أبلغت لبنان مرات عدة استعدادها لاستقبال من لديه أوراق ثبوتية.
مصادر رسمية معنية قالت إنّ مقتل سليمان فرض المطالبة باتخاذ خطوات صارمة حيال النازحين، ولكن ما تتضمّنه تقارير المنظمات الدولية المعنية بشؤونهم يكشف عن وقائع مريبة، حيث تتكرّر أعمال القتل بشكل يومي تقريباً، ما يتطلب من الوزارات المعنية والحكومة إعلان حال طوارئ واتخاذ خطوات عملية بسرعة فائقة، لأنّ الوضع ينذر بالخطر على مستوى الأمن القومي وقد خرج عن إطاره الإنساني.
تلاحظ المصادر وجود اقتراحات للمعالجة غير واضحة المعالم، فالحكومة لم تحسم وضعها بعد ولم تتفق على رؤية موحّدة للتعامل مع النازحين بالتنسيق مع البلديات والمؤسسات الأمنية والمحافظين، مبدية خشيتها من أن يكون سبب تغاضي رئيس الحكومة عن زيارة سوريا للبحث في الملف هو العقوبات الأميركية، وتجنباً لإزعاج السلطات التركية. ورأت المصادر أنّ أولى الخطوات يجب أن تنطلق من تسمية المناطق الآمنة في سوريا كي يُعاد النازحون إليها، خاصة أنّ دولاً عدة في الاتحاد الأوروبي تحدثت عن هذا الأمر، وحدّدت مناطق معينة كطرطوس ومناطق سيطرة الأميركيين وجزء من إدلب الخاضع لسيطرة الأتراك.
تعوّل المصادر ذاتها على الاجتماع الذي تستضيفه بروكسل نهاية شهر أيار المقبل، والذي يمكن أن يساعد لبنان خاصة متى توجهت إليه الحكومة برؤية موحدة عن عودتهم بالتعاون مع قبرص المستاءة من تدفق المهاجرين إليها. وترى فيه فرصة مناسبة على لبنان استغلالها، خاصة أنّ الاتحاد الأوروبي سيشهد في أيلول المقبل انتخابات قد تؤدي إلى فوز الغالبية المتطرفة من أعضائه وهؤلاء من الداعين لإعادة النازحين من دول أوروبا إلى المناطق الآمنة في سوريا وسيتفهمون حاجة لبنان لإعادتهم إلى بلدهم بعدما صاروا عبئاً.