لا شكّ في أن السواد الأكبر من اللبنانيّين يستنكر ويرفض حملات التحريض والعنف ضدّ السوريّين الموجودين على الأراضي اللبنانية، خصوصاً أولئك الذين دخلوا البلاد بشكلٍ شرعيٍ، لأنّ ذلك يتنافى مع الأطر القانونيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة. إنّما لم يعد جائزاً التغاضي عن المغالطات التي يرتكبها الناشطون في مجال حقوق الإنسان، والصحافيين ومذيعي الأخبار، والكتّاب والمحلّلين ورجال الدين، وحتّى السياسيّين عند التعاطي مع ملف اللاجئين السوريّين وإمكانيّة إعادتهم الى بلدهم.
المغالطة الأولى هي تعريف السورييّن بمصطلح «نازحين» بدلاً من مصطلح «لاجئين». وبهذا الخصوص، تعرّف المادة الأولى من اتفاقية اللجوء الدوليّة لسنة ١٩٥١ صفة «اللاجئ» بأنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر أو الدين أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد. أمّا صفة «النازح» تعطى لشخص يوجد داخل بلد جنسيته والذي أجبر على ترك مكان اقامته وعمله، بسبب الخوف أو الخطر وما شابه، والانتقال الى مكان آخر ضمن البلد ذاته.
المغالطة الثانية هي تصوير أنّ جميع اللاجئين جاءوا هرباً من النظام السوري ولا يجب إعادتهم الى بلدهم خوفاً على سلامتهم، في حين انّ أعداداً كبيرة من اللاجئين الموجودين في لبنان تؤيد النظام الحالي وشاركت في الانتخاب للتجديد للرئيس بشار الأسد، وتقوم بزيارة سوريا بشكلٍ دوريٍ، ممّا يسقط صفة «اللاجئ» عنهم ويحرمهم من التذرّع بحقّ الحماية من الترحيل، خصوصاً من يدخل منهم الى لبنان أو يغادره خلسةً الى سوريا كونهم ليسوا صادقين ويستغلون النظام الأممي.
المغالطة الثالثة هي تحميل الدولة اللبنانيّة مسؤولية تقديم خدمات لامتناهية للاجئين، في حين لم توقّع الجمهوريّة اللبنانيّة الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين التي أقرّت في جنيف عام ١٩٥١ والبروتوكول الملحق الصادر عام ١٩٦٧، بالإضافة الى ما أقرّته صراحةً مذكرة التفاهم الموقّعة بين المديرية العامة للأمن العام والمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تاريخ ٩ أيلول ٢٠٠٣ حين ذكرت بوضوح أن لبنان غير مهيّأ ليكون بلد لجوء بالنظر لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية. وعليه ليست الحكومة اللبنانيّة مرغمة على تأمين حماية اللاجئين إلّا بنسبة محدودة وبحدود الخدمات الأساسية، باعتبار لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء.
المغالطة الرابعة هي تكبيل صلاحيات الدولة اللبنانيّة في إعادة اللاجئين الذين دخلوا خلسة الى لبنان أو ارتكبوا جرائم على الأراضي اللبنانيّة، في حين شدّدت المادة الأولى من مذكرة التفاهم تاريخ ٩ أيلول ٢٠٠٣ المشار إليها آنفاً في أنه لا يجوز لأي شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية أن يتقدم بطلب لجوء لدى مكتب المفوضية بعد انقضاء شهرين على دخولهم إلى لبنان، وبالتالي وجوب إعادة هؤلاء إلى موطنهم الأصلي. ولا تحول المذكّرة دون ملاحقة اللاجئين قانونياً في حال مخالفتهم القوانين اللبنانية، وإخراجهم من البلاد في حالة ارتكابهم جرائم كبرى كالتي نشهدها الآن ومنها جرائم التجسس لصالح العدو الصهيوني والقتل والاغتصاب والاعتداء المسلح والسرقة والتزوير وحمل السلاح والمتاجرة بالمخدرات والتهريب.
في ظلّ ما يشهده لبنان، يشكّل وجود أكثر من مليونيّ سوري على أراضيه خطراً محدّقاً، ولا يمكن إنكار أن اللاجئين زادوا من حدّة الأزمات التي يمرُّ بها لبنان، كونهم يستهلكون الخدمات المختلفة ومنها الكهرباء والاستشفاء والبنى التحتيّة والتعليم بأعداد كبيرة، فضلاً عن ارتفاع عدد الجرائم التي يرتكبونها، حيث تشير إحصاءات عام ٢٠٢٢ أنّ ٤٣ بالمئة من نزلاء السجون هم من السوريّين، وهي في تزايد مستمر. كذلك لا يمكن إنكار أنّ فئة منهم جاءوا إلى لبنان للاستفادة من المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية.
وقطعاً لا يمكن تجاهل أنّ الدول الأوروبية تسعى إلى إبقاء اللاجئين في لبنان من خلال تقديم مساعدات مالية سخيّة للحؤول دون طرقهم أبوابها وخشية من تفاقم أزمة اللاجئين لديها، ولو كان ذلك على حساب اللبنانيّين. كذلك لا يُخفى تأثير حجم اللجوء السوري على النسيج الديمغرافي اللبناني الهشّ، وإمكانية استغلالهم في الصراعات المذهبيّة اللبنانية الضيّقة.
ختاماً وفي ظلّ أزمة اللجوء السوري المتفاقمة في لبنان وخفاياها على المستوى المحلّي والإقليمي والدولي، أصبحت المطالبة بإعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم، وخصوصاً من دخل الى لبنان خلسة أو ارتكب جريمة، واجباً وطنياً على كلّ اللبنانيّين بعيداً عن الحقد والعنف والظلم تجاه الأبرياء الذين دخلوا الى لبنان بصورة شرعية أو يقطنون فيه بشكل قانوني.