قال بشّار الأسد لنظيره الروسي فلاديمير بوتين عشية مؤتمر دمشق حول النازحين السوريين إنّ الأولوية القصوى لديه هي عودة هؤلاء النازحين الى بلادهم، “خصوصاً بعد تحرير جزء كبير من الأراضي وانحسار رقعة المعارك بالرغم من استمرار الإرهاب”.
كان ذلك التصريح أشبه بتلاوة درسٍ مُتّفق عليه قبيل المؤتمر الذي جهدت روسيا من أجل عقده، ما اقتضى توجيه رسالة من رأس نظام الدولة المضيفة – الطاردة لسكانها، لدول العالم المأمول مشاركتها، ان النوايا صافية وعودة اللاجئين الهاربين الى الدول المجاورة لا تحتاج سوى الى مباركة تلك الدول وما تيسّر من تقديماتها.
إلّا أن أحداً من المأمول حضورهم لم يظهر. لا الأوروبيون تحمّسوا ولا الأميركيون، ولا الدول العربية المانحة، بما فيها الكويت التي استضافت في السابق مؤتمرات عالمية ناجحة لدعم الشعب السوري، ومن الدول العربية المحيطة بسوريا. وحده لبنان لبّى الدعوة على أعلى المستويات. أدلى وزير خارجيته بمداخلة أساسية في اللقاء، وشارك وزير شؤون النازحين فيه بنشاط بارز في مختلف الفعاليات، فيما غاب الاْردن وتركيا، اللذان يستضيفان الى جانب لبنان القسم الأكبر من السوريين الذين رحلوا عن بلادهم. وانتهى المؤتمر بانتهاء خطابات المشاركين فيه، غير أنّ ما لم ولن ينتهي كما يبدو، هو تلك الإدّعاءات الفارغة التي يطلقها النظام عن استعداده للترحيب بالعائدين الى “حضن الوطن”، واستمراره في التعامل مع لبنان وكأنّه امتداد لمحافظة حمص.
في لبنان مليون لاجئ سوري مسجلّين لدى الأمم المتّحدة، وبضع مئات ألوف من العمال الموسميين. وهم يعيشون مع اللبنانيين ويعانون مثلهم الأزمات المديدة. وفي لبنان حكومة حليفة لنظام دمشق، ووزير نازحين على رأس وزارة قامت لمراضاة النظام المذكور. وهذه الحكومة كانت الحكومة العربية الوحيدة، المعنية مباشرةً باللاجئين، التي تشارك في مؤتمر بوتين – الأسد، فماذا تلقّت في المقابل؟ وكيف بادلها حاكم سوريا لهفتها وحسن نواياها؟
لم تتقدّم مسألة العودة خطوة واحدة، والأرقام التي تُذاع عن ألوف العائدين مشكوك بدقّتها. وفي المقابل، يجد النظام الفرصة مؤاتية للعب على حادثة القتل الفردية في بشرّي، ليطالب القضاء اللبناني بلعب دوره المستقلّ! انه منتهى الإستخفاف “بالشقيق” يصدر عمن فقد الأهلية لمخاطبة ورعاية شعبه. فاللاجئ الى بشرّي أو الى أي بقعة في لبنان لا ينتظر عدالة ينصح بها من وضع العدالة في سجن كبير، وإنّما يطمح الى عودة آمنة الى أرضه وبيته. والقضاء اللبناني، على مشاكله، لا ينتظر توجيهات الخارجية في دمشق، فهو في السابق تلقّى منها مذكرات توقيف بحقّ نصف المسؤولين اللبنانيين. إنّها هفوة جديدة من الشقيق الذي باتت سياسته كلّها تجاه شعبه وتجاه لبنان سلسلة هفوات كارثية.