لم أصدّق عندما شاهدت ڤيديو انتشر بشكل واسع للفنان الكبير الاستاذ دريد لحام وهو يناشد العالم، ويخص الدولة السورية لتأمين قارورة غاز، خصوصاً أنّ القارورة التي عنده أشرفت على نهايتها ولم يتصل به أحد من الدولة ليؤمن له ما هو بحاجة إليه.
فبئس هذا الزمن، بئس هذا الرئيس الذي دمّر الحجر والبشر في سوريا الحبيبة تحت شعار «المؤامرة».
أي مؤامرة يتحدّث عنها الرئيس؟ فكرسي الرئاسة هي أهم شيء بالنسبة إليه… هي أهم من شعبه وأهم من الوطن؟
طبعاً لو كان هذا الرئيس يستحق أن يكون رئيساً لما وصلت سوريا الى هذه الحال من الفقر والجوع..
إنّ مليون مواطن سوري، قتلهم النظام وحلفاؤه في محور المقاومة والممانعة تحت شعار «المؤامرة»..
بالله عليكم قولوا لي: أين المؤامرة؟ وما هي المؤامرة؟ هل المؤامرة أن يطالب الشعب في تظاهرات سلمية ولمدة ست سنوات بانتخابات حرّة.
هل هذا الطلب هو مؤامرة؟
وهل ان يطالب الشعب بالسماح بإنشاء إعلام حرّ، أي فتح قنوات تلفزيونية حرّة، وإنشاء صحف ومجلات حرّة هي مؤامرة؟
وأن يطالب الشعب بانتخاب رئيس للجمهورية من الشعب… هل هذا أيضاً مؤامرة؟
وأن ينتخب الشعب السوري أعضاء مجلس النواب السوري هو أيضاً مؤامرة؟
تسلم الرئيس بشار الأسد من والده الرئيس التاريخي حافظ الأسد باني سوريا الحديثة، وكانت سوريا لغاية عام 2000 في أحسن حال.
يومذاك كان الدولار يعادل 5 ليرات سورية، وكانت سوريا غير مدينة ولو بليرة واحدة، كما كانت سوريا تتهيّأ لإنشاء نظام مالي حرّ، وإنشاء مصارف محلية وأجنبية وشركات مالية وشركات تأمين.. أي كان الشعب السوري ينتظر من هذا الوريث الذي يبلغ من العمر 32 سنة، غير ذلك فهو زوّر القانون ليُسمح له بتسلم الحكم، بينما يقول القانون: يجب أن يكون عمره 40 سنة.
يعني بداية الدكتور الرئيس تزوير. كذلك للذين يعرفون تاريخه نقول: إنه دخل الى كلية الطب لكنه لم يتخرّج منها بل ذهب الى لندن ليتعلم اللغة الانكليزية فقط.
على كل حال، هذا ليس مهماً وصار وراءنا. المهم ان سوريا اليوم أصبحت على هذا الشكل:
أولاً: من مليون الى مليون ونصف مواطن قتلوا في حرب قام بها الجيش العلوي ومعه حلفاؤه من «الحزب العظيم» الذي قال في يوم من الأيام إنه مستعد لإرسال 10 آلاف مقاتل، ومستعد أن يرسل ابنه ومستعد أن يذهب هو بنفسه للحفاظ على كرسي بشار الأسد… بينما في بداية الحرب الأهلية ذهب الحزب الى سوريا للدفاع عن المقدسات الدينية كمقام السيدة زينب، فأصبح المقام في حلب وحمص وحماه وجبال القلمون وفي حوران وفي اللاذقية وطرطوس وبانياس… طبقاً للأوامر الإيرانية التي تقرر والباقي ينفذون الأوامر لا أكثر ولا أقل.
ثانياً: تدمير الجوامع والكنائس والمستشفيات والمدن، فانظروا ما حدث في حلب وفي حمص وفي دمشق نفسها.. فهل هذا كله مؤامرة؟
ثالثاً: كان الدولار يعادل 5 ليرات سورية، اليوم أصبح كل دولار يعادل 15 ألف ليرة سورية.. فهل هذا أيضاً مؤامرة كونية على بشار؟
رابعاً: سوريا بلد الخير، بلد الفقير، بلد الضعيف، بلد المحتاج. اليوم لا مكان لأي مواطن في بلده، ومن أجل ذلك نفهم لماذا هاجر نصف الشعب السوري. نعم 12 مليون مواطن سوري توزعوا في كل بلاد العالم. فهل هذا مؤامرة على الرئيس؟
خامساً: محور المقاومة والممانعة الذي ينتمي إليه الرئيس و»فيلق القدس» الذي يمرح ويسرح في العراق واليمن وسوريا ولبنان، هذا الفيلق الذي أُنشئ مع بداية حكم الثورة الخمينية وتحويل إيران الى جمهورية إسلامية يحكمها المرشد الأعلى الذي هو فوق رئيس الجمهورية.. لأنّ رئيس الجمهورية يعيّنه المرشد… هذا الفيلق.. وغزّة الأبيّة تتعرّض لحملة إبادية شرسة من قبل العدو الاسرائيلي المجرم، وغزّة صامدة منذ 82 يوماً، بينما «فيلق القدس» يلعب في الجولان ويكلف «الحزب» برمي بعض الصواريخ على شمال فلسطين الحبيبة، ومع كل غارة يقوم بها العدو الاسرائيلي يصدر بيان من الناطق الرسمي السوري يقول: تصدّت وسائل الدفاع السورية لطائرات العدو الاسرائيلي وأجبرته على الانسحاب. وفي بعض الأحيان يضيف ان سوريا سوف ترد في الزمان والمكان المناسبين، وهي التي تختار، ولن تترك العدو الاسرائيلي يستدرجها.
سادساً: لا بد أن نعود الى سؤال وهو كيف يعيش المواطن السوري؟
أ= المواطن السوري لا يعيش بل انه يشحد حيث قال لي أحدهم إنّ عدداً كبيراً من المواطنين يقفون منتظرين أمام محل لبيع الشاورما لعله يبقى بعض الفتات من أي مواطن اشترى «سندويشاً» ليأكل البقايا لأنه لا يملك المال ليشتري سندويش شاورما.
ب- أصبح عدد محطات البنزين في دمشق وحدها 30 ألف محطة.. والمحطة الجديدة هي عبارة عن مواطن يحمل قارورة غاز وغالون بنزين 20 ليتراً ليبيعها فيحصل على رزقه.
ج- راتب العسكري 250 ألف ليرة سورية، يعني 20 دولاراً وصفيحة البنزين بـ25 دولاراً، فكيف يعيش؟.. طبعاً هو لا يعيش.
أخيراً، فإنّ سبب هذا المقال انني سمعت ان الفنان الكبير وأهم فنان عربي والذي ينافس شارلي شابلن هو بكل تواضع وبكل فخر واعتزاز دريد لحام، الفنان الوحيد الذي استطاع أن يؤلف المسرحيات التي تنتقد النظام بشكل قوي، وكان الرئيس حافظ الأسد يكافئه.. وهذا ما حصل معي في دمشق أثناء حضوري مسرحية «ضيعة تشرين» التي تحتوي على انتقادات لكامل النظام، أتذكر كيف قُدّمت له هدية على المسرح من الرئيس حافظ الاسد، وهي عبارة عن كلاشنكوف مذهّب تقديراً على فنّه وإبداعه.
إنّه الممثل القدير، سمعت انه يشحد قارورة غاز حيث قال: أنا خائف لأنني لم أتبلغ إذا كنت سأحصل على قارورة غاز نعم أو كلا…
تصوّرو يا ناس يا عالم.. أعظم فنان سوري وعربي يشحد قارورة غاز.
بئس هذا الزمن وبئس هكذا حكام.