تسببت حرب إسناد غزة التي اعلنها امين عام حزب الله السابق السيد حسن نصر الله بنتائج كارثية للحزب وللبيئة الحاضنة له، ولا يكون من السهل عليه تجاوز آثارها السياسية والاستراتيجية والتنظيمية، من المؤكد ان حجم الخسائر التي مُني بها الحزب لن يكون في ظل الظروف التي ولدتها الحرب داخلياً واقليمياً ودولياً مسموحاً أن يدّعي امين عامه الجديد الشيخ نعيم قاسم بأن الحزب قد حقق انتصاراً كبيراً، فالكل يعلم وبكل المقاييس بأن الحزب قد اصيب بهزيمة نكراء جراء الهجمات المدمرة التي شنتها اسرائيل ضد قياداته السياسية والعسكرية والتي تسببت بزلزال معنوي له ولبيئته ولمجمل اللبنانيين، وذلك قبل بدء الهجوم الجوي والبري، والذي فشل الحزب في احتواء نتائجه سواء على جبهة الجنوب او في عمق بيروت والضاحية وكامل منطقة البقاع، وان الاصابات واعداد القتلى الذي بلغ عدة آلاف بالاضافة الى حجم الدمار للقرى والابنية والبنى الاساسية تؤشر بدون اي التباس الى انه كان لاسرائيل اليد العليا في الحرب.
كانت المفاجأة القاتلة مع بداية المواجهة الفعلية مع اسرائيل بالهجوم الاليكتروني الذي شنته اسرائيل والذي فجر اجهزة النداء واجهزة اللاسلكي بحامليها، والذي تسبب بقتل او جرح ما يزيد عن 3600 شخص من كادرات حزب لله الاساسية، والتي اظهرت بشكل لا يقبل الشك مدى خطورة انكشاف الحزب امنياً واستخباراياً امام جهازي الموساد والاستخبارات العسكرية «أمان»، وجاءت عمليات الاغتيال المتكررة وعلى كل المستويات لتؤكد مدى خطورة هذا الانكشاف الامني الكبير للحزب وبيئته القيادية.
في ظل النجاحات العسكرية التي حققتها اسرائيل، كان الحزب يأمل ومعه جميع اللبنانيين بأن يحقق تدخل ايران في الحرب تصحيحاً للخلل الكبير في موازين القوى بين اسرائيل والحزب. ولكن اثبت القصف الايراني غير الفعال عكس ذلك حين نجحت الدفاعات الجوية الاسرائيلية مع حلفائها وخصوصاً الولايات المتحدة في افشال الهجمات الصاروخية الايرانية، بالرغم من كثافتها.
لم يكن في نهاية الامر من بدّ لقبول حزب لله بقبول وقف لاطلاق النار بالشروط الاسرائيلية، وفق مفهومها لتطبيق قرار مجلس الامن 1701، وانسحاب قوات الحزب واسلحته الى شمالي الليطاني، وفرض شروط اخرى تتناول مستقبل الحزب العسكري من خلال المطالبة بتنفيذ القرارين 1559 و1680.
وشاءت الظروف الاقليمية، ان تشن الفصائل المسلحة للمعارضة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً سريعاً على كل المدن وصولاً الى دمشق واسقاط نظام بشار الاسد، وتهديد الوجودين العسكريين لايران وحزب لله واجبارهما على اخلاء الارض السورية على عجل ودون قتال.
في رأينا يشكل سقوط نظام بشار الاسد خسارة لكل من ايران وحزب لله لا يمكن تعويضها، حيث شكّلت سوريا نقطة الثقل لمحور المقاومة على مستويين: الاستراتيجي واللوجستي والتي كان يأمل ان تسهّل له تعويض خسائره العسكرية في الحرب خلال عام. لكن قطعت عليه اية امكانية لذلك سواء عبر سوريا او عبر الجو او البحر، حيث من المفترض ان تخضع جميع المداخل للاراضي اللبنانية لرقابة اسرائيلية ودولية مشددة.
في ظل هذه الظروف العصيبة التي يواجهها حزب لله، يتحضر لبنان للخروج من ازمته السياسية، وذلك بالتحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويرجح استكمال هذا الاستحقاق في الجلسة النيابية المقررة في 9 كانون الثاني المقبل. اذا نجح المجلس في تحقيق الاستحقاق الرئاسي، فإن على حزب لله ان يتوقع مواجهة رفض اللبنانيين الاعتراف من جديد بمشروعية وجوده العسكري، من خلال فرض ادراج «ثلاثيته الذهبية» في بيان الحكومة الجديدة، والاولى التي سيشكلها الرئيس العتيد، سيواجه حزب لله صعوبات عديدة، تبلغ درجة الاستحالة، في اقناع اللبنانيين على المستويين الشعبي والسياسي بقبول الدور السابق الذي كان يدّعيه حول قدرته على حماية لبنان من التهديدات الاسرائيلية، بعدما اثبتت الحرب الاخيرة بأنه غير قادر على حماية نفسه وقياداته السياسية والعسكرية، او حماية بيئته سواء في الجنوب او في الضاحية والبقاع.
يدرك حزب لله جيداً ان القوى السياسية المسيحية، بأكثريتها الساحقة لن تقبل تحت اي ظرف بادراج هذه الثلاثية في اي بيان وزاري للحكومات المقبلة. ولن يكون ايضاً الموقف السني العام اقل تشدداً في موضوع عودة حزب لله للهيمنة على القرار السياسي اللبناني، وسيرفضون بكل المقاييس وصاية حزب لله الامنية، وخصوصاً على العاصمة بيروت، واني اعتقد بأن المناورات والتحركات السابقة التي اعتاد حزب لله من خلالها ترويض العاصمة لم تعد مسموحة او صالحة في ظل المستجدات على الساحة اللبنانية وفي سوريا بعد سقوط الاسد والوصاية الايرانية على دمشق وبيروت.
من المرجح ايضاً ان لا يحظى حزب لله بنفس مستوى الدعم والتأييد داخل البيئة الشيعية، وذلك انطلاقاً من الحسابات التي فرضتها نتائج الحرب، والتي يمكن ان تصل لحد القطيعة او على الاقل عدم التجاوب الكلي من حليفه الرئيس نبيه بري، وذلك انطلاقاً من دوره السياسي والدبلوماسي في التفاوض لتحقيق وقف اطلاق النار والتطبيق الكامل للقرار 1701 بكل مندرجاته.
اما على صعيد التأييد الشعبي الشيعي، فإن الحزب سيواجه مشكلة تأمين الاموال اللازمة لاعادة اعمار المناطق المهدمة، والتي ستعجز ايران عن تأمينها، ويبدو الآن بأن الاموال الايرانية كمساعدات ضئيلة جداً ولن تُرضي المتضررين، والحكومة الايرانية غير قادرة على زيادتها بسبب عدم رضى الشعب الايراني.
هناك وسيلة واحدة لتأمين اكثر من ملياري دولار لاعادة الاعمار عن طريق المساعدات العربية، والتي ستأتي حكماً عن طريق الدولة اللبنانية وتدرك الحكومة ومعها حزب لله بأن هذه الاموال لن تأتي في ظل بيان وزاري يتبنى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
من المؤكد ان الرئيس الجديد للجمهورية سيكون له دور مؤثر في هذا الموضوع السياسي العام، في الوقت الذي فشل فيه الحزب عندما كان بكامل قوته في ايصال مرشحه فرنجية الى سدة الرئاسة، من هنا يبدو بأن الرئيس المقبل لن يكون في دائرة نفوذ حزب لله، نحن امام فرصة حقيقية للبنان لاستعادة سيادته الكاملة.