IMLebanon

هل ينحني حزب الله أمام العاصفة؟

 

التاريخ لا يعيد نفسه، وإذا أعاد فهو في المرة الأولى حدث خطير، وفي المرة الثانية مسرحية هزلية!

هذا القول يردّده كل علماء التاريخ!

وإذا قارنّا بين أثر ما حدث سنة 1958 على لبنان، وأثر ما حدث منذ أيام في سوريا على لبنان، نجد ان التاريخ يعيد نفسه: ففي سنة 1958 كان لبنان مشتعلاً بثورة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان يبحث عن التجديد ويساير حلف بغداد، وحصل انقلاب في العراق أطاح بالعرش الهاشمي وبحلف بغداد وبنوري السعيد وكان الإنقلاب انتصاراً لعبد الناصر، فكانت ردّة الفعل الأميركية إنزال قوات الأسطول السادس في لبنان وإنزال القوات البريطانية في الأردن.

وكان لبنان وقتها على أبواب انتخابات رئاسية، والرئيس شمعون يسعى لتجديد ولايته، واعتبر أن ما حدث يخدم طموحه ويصبّ في تجديد ولايته، ولكن الأحداث سارت بالاتجاه المعاكس.

 

كان عبد الناصر وقت وقوع الإنقلاب في بلغراد بضيافة «تيتو» رئيس يوغوسلافيا. وتوافقا عبد الناصر وتيتو على ان الوضع خطير، واتفقا على أن ينتقل عبد الناصر الى الاتحاد السوفياتي لبحث الوضع مع السوفيات، وعلى رأس النظام السوفياتي وقتها كان خروشوف.

وبالفعل، نزل عبد الناصر في طريق عودته الى سوريا، نزل في موسكو حيث عقد اجتماعاً طويلاً مع الزعماء السوفيات، كان أهم ما ظهر فيه أن السوفيات ليسوا على استعداد للتدخّل لحماية عبد الناصر، فيما لو ذهبت الولايات المتحدة وبريطانيا أبعد من الإنزال في لبنان والأردن، ولكن الاتحاد السوفياتي سيظهر عكس ما يبطن إذ قام بمناورات عسكرية ضخمة على حدوده مع تركيا، كان من الضخامة والقوة انها تشير الى أن الاتحاد السوفياتي لن يقف مكتوف اليدين.

 

وعاد عبد الناصر الى دمشق حيث أعلن كل ما يهدّئ ويطمئن مخاوف أميركا على البترول الذي ستبقى أوضاعه كما هي، وتابع عبد الناصر سياسة تطمين أميركا في أن شيئاً لن يتغيّر من جرّاء انقلاب العراق ويكون مضرّاً بمصالح أميركا وسياستها!

هكذا هدأت أميركا وكان الاستحقاق اللبناني هو رئاسة الجمهورية، وتوافق عبد الناصر مع سفير الولايات المتحدة في القاهرة على انتخاب الجنرال فؤاد شهاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، وهو ما كانت تطالب به المعارضة!!!

بعد أكثر من نصف قرن على انقلاب العراق، حصل أمر خطير في سوريا، هو انقلاب النظام السياسي بهروب بشار الأسد من سوريا ولجوئه الى موسكو، فانهار النظام السوري الذي عمّر أكثر من نصف قرن، وحصل ذلك في وقت كانت انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان في أزمة ومتأخّرة سنتين عن موعدها.

 

فهل يعيد التاريخ نفسه؟ مقارنة سقوط نظام الحكم في سوريا بسقوط نظام الحكم في العراق منذ أكثر من نصف قرن؟

عند سقوط النظام السوري كان لبنان محكوماً من حزب الله وخارجاً من حرب مدمّرة، وصلت الى اتفاق وقف إطلاق النار يجرّد حزب الله من سلاحه، ولكن حزب الله وقع ثم فسر تجريد السلاح على انه محصور «بنهر الليطاني»، وجاء سقوط الحكم السوري يطرح أسئلة حول مدى أثر هذا السقوط على انتخابات الرئاسة في لبنان.

سنة 1958 كان الرئيس شمعون يعوّل على الأحداث أن تأتي لصالحه، فكانت النتيجة هي العكس. والرئيس شمعون سياسي محنّك انحنى لمرور العاصفة ثم تحوّل الى أكبر زعيم مسيحي في لبنان.

هذه الأيام أي سنة 2024 حزب الله هو زعيم الشيعة، وهو الذي أنقذ بشار الأسد من الثورة التي كادت تطيح بنظامه سنة 2011، فهل يُصرّ حزب الله على رئيس للجمهورية من حلفائه، أم ينحني لتمرّ العاصفة فيكرّس نفسه زعيماً للشيعة بعد مرور العاصفة الناجمة عن سقوط نظام الأسد في سوريا التي تهدّد إيران كما تهدّده، ويصرّ على رئيس للجمهورية من حلفائه ليبقى ممسكاً بالسلطة كما استمر مدة ربع قرن؟

الرئيس شمعون بدهائه لم يتصدَّ للعاصفة بل أبعد نفسه عنها ونظر الى المستقبل سنة 1958!

فهل ينحني حزب الله عن مواجهة العاصفة الناجمة عن الحرب وعن سقوط نظام الأسد؟

هل يعيد التاريخ نفسه ويفوز بالرئاسة من هو خارج خط حزب الله؟

إذا لم يكرر التاريخ نفسه، فإن حزب الله معرّض لحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، والى حرب مع النظام السوري الجديد من جهة أخرى!

والحرب هذه المرة ضد إيران، وبعد استلام الرئيس الأميركي ترامب مقاليد الحكم في أميركا، فهل يعاند حزب الله بانتخاب حليف له، أم يعيد التاريخ ذاته من سنة 1958 الى سنة 2024، فينحني للعاصفة كما فعل الرئيس شمعون، ويؤمّن مستقبلاً سياسياً وليس عسكرياً لنفسه، أم يعاند فتطيح الحرب القادمة بحاضره وبمستقبله السياسي والعسكري؟!

الدلائل حتى الآن تؤكد ان حزب الله بغياب السيد حسن نصرالله فَقدَ الدهاء الذي تميّز به الرئيس شمعون، وانه على عكس 1958 ذاهب الى مواجهة الحرب عليه وعلى إيران من أميركا وإسرائيل والنظام السوري الجديد، وهي حرب لتغيير خريطة الشرق الأوسط، وفيها تطبيع مع إسرائيل بالسلام «الإبراهيمي»، وإيران على رأس اللائحة!

فهل يحني حزب الله رأسه لتمرّ العاصفة أم يعاند وتكون النتائج مختلفة عن 1958؟

الدلائل تشير الى أن حزب الله لن ينحني لقلّة الدهاء الذي تميّز به الرئيس شمعون سنة 1958 واشترى وقتها شمعون المستقبل بالحاضر.

الدلائل تشير الى ان التاريخ لن يعيد نفسه.