IMLebanon

لعبة التذاكي لدى النظام السوري  

 

 

بعد ما يزيد على أسبوع من نشر فريديريك هوف مقاله عن سعيه في مرحلة معيّنة كمبعوث للإدارة الاميركية الى تحقيق سلام بين سوريا وإسرائيل، لم يصدر عن الجانب السوري أي نفي لما ورد في المقال او توضيح له. كان عنوان المقال كافيا كي يكون هناك رد على هوف. كان العنوان «الأسد: مزارع شبعا سورية، بغض النظر عمّا يدّعيه حزب الله».

 

في المقال الطويل الذي نشره موقع «نيولاينز ماغازين»،  وهو جزء من كتاب سيصدره هوف قريبا، تفاصيل دقيقة عن جهوده للتوصل الى سلام بين سوريا وإسرائيل. كذلك فيه جانب من محاضر للقاءات بينه وبين بشّار الأسد الذي فاجأه في جلسة عقدت يوم 28  شباط – فبراير 2011  في «قصر تشرين»، وهو قصر الرئاسة السوري، بكلام صريح ومباشر عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي يعتبرها «حزب الله» أراض محتلّة. اعتبرها كذلك كي يبرر الاحتفاظ بسلاحه تحت شعار «المقاومة».

 

مؤسف، بل محزن انّ ما تبيّن منذ العام 2000، تاريخ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتّحدة، في العام 1978، هو استخدام «حزب الله» ذرائع من اجل الاحتفاظ بسلاحه. هذا السلاح الذي ليس سوى سلاح موجّه الى صدور اللبنانيين الآخرين العزّل.

 

مؤسف ومحزن اكثر استفاقة بشّار الأسد في 2011 على انّ مزارع شبعا سوريّة. لماذا لم يوضح ذلك ويؤكده منذ البداية. لا تفسير منطقيّا للامر سوى الخدمات المتبادلة بين «حزب الله»، أي ايران، من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. خدمات متبادلة ذهب ضحيّتها لبنان وجنوب لبنان.

 

قال هوف في مقاله: «لقد شرح الرئيس الأسد أمامي، كيف أنّ حزب الله اللبناني مصرّ على الإحتفاظ بسلاحه، لأنّ هناك -حسب رأيه- بعض الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة… ومنها مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا. إنّ رأي حزب الله ليس صحيحاً أبداً، لأنّ الأراضي التي يتحدث عنها الحزب في المزارع والتلال، هي أرض سوريّة». يضيف هوف: «فوجئت بكلام الأسد». يشدّد على انّه حرص على كتابة ان بشّار كان «حازماً وبعيداً عن التلعثم ما يدل على ثقة بالنفس، وأنّ لا مساومة في هذا الأمر». يذكّر «إنّ ما قاله بشار الأسد في هذا اللقاء في ما يتعلّق بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ليس إلاّ القليل من الحديث الطويل الذي دار بيننا. لقد كان التشديد على امر واحد فقط، هو كيفية إعادة الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 في حرب حزيران – يونيو. وأكد الأسد في اللقاء المذكور، انه في حال إعادة هذه الأراضي المحتلة، فإنّ سوريا مستعدة لفك تحالفها مع إيران. ليس هذا فقط، بل انّ سوريا، ستكون عندئذ مستعدّة لتفرض على لبنان توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل».

 

بين السنتين 2000 و 2011، لعب النظام السوري لعبة يمكن وصفها بلعبة التذاكي. قامت تلك اللعبة على التسريب في وسائل الاعلام انّه يعترف بانّ مزارع شبعا لبنانية. فعل ذلك من منطلق الشراكة مع «حزب الله» في لعب ورقة الجنوب اللبناني وتبادل الأدوار بينهما. لم يقدم يوما على خطوة تترجم تسريباته عن ان المزارع لبنانية. كان مطلوبا منه تقديم مذكّرة رسميّة الى الأمم المتحدة في هذا الشأن. لم يفعل ذلك كي يتمكن لبنان من استعادة المزارع.

 

ليس سرّا ان مزارع شبعا احتلت في العام 1967 وكان فيها الجيش السوري. حصل ذلك في موازاة احتلال إسرائيل للجولان. ما لا بدّ من التذكير به هو ان لبنانيين يملكون الأرض، لكنّ الذي حصل انّ الجيش السوري تمركز فيها منذ العام 1956 بحجة مكافحة التهريب من جهة وضرورة التصدي لإسرائيل من جهة أخرى. كان ذلك في مرحلة العدوان الثلاثي على مصر.

 

خلاصة الامر انّ اهمّية مقال فريديريك هوف تكمن اوّلا في كشفه ان النظام السوري لم يرد يوما استعادة الجولان. كلّ ما أراده هو المتاجرة بالجولان الذي احتلّ في العام 1967 عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع. لا يزال احتلال الجولان قضيّة غامضة، لكن الأكيد ان الإعلان عن سقوط الهضبة قبل ان تحتلّها إسرائيل لم يكن بريئا.

 

امّا الاهمّية الثانية للمقال، فهي تتمثّل في ان من الخطأ الاعتقاد انّ هناك تمييزا بين نظام «الجمهوريّة الإسلامية» في ايران ونظام بشّار الأسد. يستطيع الرئيس السوري قول ما يشاء، لكنّ مرجعيته في نهاية المطاف هي في طهران. هذا ما لم يدركه الجانب الروسي في يوم من الايّام. لم يدرك ذلك ولن يدركه في غياب الرغبة في الاعتراف بانّ كلّ ما فعله في سوريا، منذ اندلاع الثورة الشعبيّة فيها قبل عشر سنوات، صبّ في خدمة ايران. لا يمكن لوم موسكو على ذلك ما دامت لم تستوعب منذ البداية تغطية النظام السوري، وحتّى مشاركته، في تنفيذ عملية اغتيال رفيق الحريري. بعد صدور حكم المحكمة الدوليّة لم يعد سرّا من اغتال رفيق الحريري ورفاقه وظروف الاغتيال.

 

يمكن التوقف عند تفاصيل أخرى في مقال فريد هوف، تفاصيل يصلح كلّ منها لفكرة مقال. لكنّ الاهمّ من ذلك كلّه انّ المقال يوحي بشكل عام بانّ هناك غيابا لايّ ثقة جدّية لدى الإسرائيليين في بشّار الأسد. قد يكون ذلك عائدا الى معرفتهم بان النظام السوري لم يرد يوما استعادة الجولان. لو كان جدّيا في ذلك، لما كان اعترض على استعادة مصر سيناء، ولا اعترض أصلا على زيارة أنور السادات للقدس. لم يكن لدى مصر وقتذاك من خيار آخر غير التفاوض من اجل استعادة سيناء وما فيها من نفط وغاز…

 

في النهاية، ما حصل في سوريا ابتداء من آذار – مارس 2011، بعد اقل من شهر ما الاجتماع الذي انعقد بين بشّار الأسد وفريد هوف وما دار فيه من تبادل للآراد، يكشف انّ الانفجار السوري كان طبيعيا. كان اكثر من طبيعي بعدما مارس النظام لعبة تقوم على التذاكي ولا شيء آخر غير التذاكي باستثناء استخدام الإرهاب وسيلة لابتزاز العرب وغير العرب… وحتّى اميركا!