Site icon IMLebanon

النظام الذي قتل رشيد كرامي

أواخر عامي الثالث في الدراسة الجامعية سنة 1987، وبعد ظهر 31 أيار طلبتُ قهوتي وجلستُ كعادتي في كافيتيريا كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ الفرع الأول، كنت أحضر موادّ قليلة، حضر «أبو نعمة» ـ صاحب الكافتيريا ـ حاملاً القهوة، وسألني كعادته عندما يراني ـ بحكم مهنتي الإذاعية ـ «شو الأخبار»؟ أجبته: «مات رشيد كرامي»… ذهل الرّجل وارتبك وسألني: مات؟ أيمتين؟ ما سمعت الأخبار!! ضحكت من براءته وقلت له: «عم بمزح معك يا زلمي»… لم أعلم يوماً لم قلتُ هذه الجملة، إلا أنني لم أنسَ وقع خبر اغتيال الرئيس رشيد كرامي عند التاسعة من صبيحة اليوم التالي 1 حزيران 1987، كان لبنان في أزمة خانقة، وكانت حكومة كرامي تشلّ لبنان باستقالة لم تقبل ولم ترفض، ومنذ اغتياله وحتى اليوم وقناعتي التي كونتها من مجرى الأحداث اللبنانيّة أنّ النّظام السوري اغتال الرئيس رشيد كرامي تماماً مثلما اغتال قبله وبعده كلّ رجالات لبنان، وربما على فيصل كرامي أن يطرح على نفسه السؤال: لماذا سيستثني نظام اغتال المفتي الشهيد حسن خالد بعد اغتيال كرامي واغتال قبله محمد شقير وناظم القادري، ونفى الرئيس صائب سلام وكلّ الأسماء التي تجرأت على الحوار الإسلامي ـ المسيحي، أو المطالبة بعلاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا كالرئيس صائب سلام، فلماذا سيستثني رشيد كرامي المتورّط في إدارة حوار كهذا وبعد شبه اتفاق بينه وبين الرئيس كميل شمعون؟!

وربما على فيصل كرامي أن يطرح على نفسه السؤال: لماذا لم يتذكر النظام السوري أن يُحرّض «أبواقه» على المطالبة بتحقيق في هذا الاغتيال إلا بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وذلك لعرقلة مطالبة اللبنانيين بتحقيق دولي في جريمة اغتيال هزت لبنان والعالم، بالأمس خرج ذو لحية وعمامة من مجموعة النظام السوري ليقول لنا:  «اغتيال كرامي كان الزلزال الحقيقي الذي ضرب الكيان اللبناني وكل ماجاء بعده من احداث وفواجع انما كان من آثاره ولواحقه»… «لا..يا شيخ»، ولكن ما حيلة لبنان في جيش منافقي النظام الأسدي المجرم وزبانيته من حزب الله الذين يشترون الدين والذمم والضمائر؟!

وربما على فيصل كرامي أن يسأل نفسه: «لماذا قال الأسد الأب للمفتي الشهيد حسن خالد: «بيسوى قبل أن تعمل شيئاً أن  تراجعنا»؟ أو أن يسأل نفسه: «لماذا كان أعتى مهاجمي الرئيس رشيد كرامي قبيل اغتياله حليف النظام الأسدي يومها قائد ميليشيا الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وأكثر بكثير من مهاجمة قائد ميليشيا القوات اللبنانية يومها سمير جعجع؟

وربما على فيصل كرامي أن يسأل نفسه: من طارد عم الرئيس الشهيد بالقنابل اليدوية من سراي الصنائع مقرّ الحكومة يومها ـ سراي وزارة الداخلية اليوم ـ وألقى على السراي قنبلة يدويّة، وعندما غادره عمّي الشهيد على عجل من طارده إلى منزله في تلّة الخياط واستهدفه بقذيفة صاروخيّة؟  بل عليه أن يسأل نفسه: لِمَ انخرط عمّي «العروبي» الشهيد في حوارٍ مع الانعزاليين الكبار أعداء العروبة وعلى رأسهم رأس الجبهة اللبنانية الرئيس كميل شمعون؟!

وعلى فيصل كرامي أن يسأل نفسه: لماذا «أصرّ المفتي الشهيد حسن خالد على الذهاب إلى دارة الرئيس الشهيد في طرابلس بسيارته بالرغم من التحذيرات وطلب النظام السوري منه بأن يقصدها عبر طوافة عسكرية ـ ربما ليتخلص منه هو الآخر بنفس الطريقة ـ وكيف فوجئ على الطريق في كل منطقة كان يمر بها، كانت الميلشيات المسيحية تقف وتؤدّي له التحية وتنزله بالقوة من سيارته وتكرمه أشد التكريم»، ونحيله هنا على رواية ولده المهندس سعدالدين خالد عن واقعة اغتيال الرئيس كرامي علّه يكتشف من قتل الرئيس الشهيد رشيد كرامي… وربما عليه أن يسأل نفسه أيضاً: «وصل الشيخ حسن خالد الى طرابلس ودخل منزل الشهيد رشيد كرامي فوجئ بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام موجوداً بين القيادات هناك بما فيهم أعضاء من اللقاء الإسلامي وكان الجوّ مكفهراً وكان بعضه يعود في اكفهراره الى حادثة استشهاد رشيد كرامي فيما كان بعضه الآخر عائداً في اكفهراره وتأزّمه الى «مناقشة عاصفة» حدثت حينها وكان محورها إسراع اللقاء الإسلامي بتسمية الرئيس سليم الحص خلفاً للرئيس الشهيد كرامي مما أثار حفيظة السيد عبد الحليم خدام الذي قال للحاضرين: «الفراغ يناسبنا»!!

فكفى متاجرة بدماء الشهيد رشيد كرامي، على مذبح قاتله الحقيقي «النظام السوري»!!