IMLebanon

«التوطين السوري» و«العودة الطوعية» للنازحين

اول مصطلح «للتوطين» بدأ التداول به مع مطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما طُرحت مشاريع لتسوية الصراع العربي – الاسرائيلي، فتقدم العدو الصهيوني، مما تقدم باقتراحين الاول، توطين الفلسطينيين حيث هم في الشتات، واقامة «الوطن البديل» عن فلسطين الجغرافية والتاريخية، في الاردن. بذلك يسقط مشروع حق العودة، وادى ذلك الى رفض الاردن الاقتراح الاسرائيلي، بحرب ضد الفلسطينيين التي سميت بـ«ايلول الاسود» وما نتج عنها من مجازر في العام 1970، وفي لبنان قام من ادعى رفضه للتوطين باشعال الحرب مع الفلسطينين تحت ذريعة كان اليمين اللبناني يروج لها، «أن الفلسطينيين يسعون الى التوطين في لبنان، واقامة سلطتهم فيه بالتعاون مع قوى سياسية لبنانية حليفة لهم».

في الحالتين الاردنية واللبنانية لم يكن الفلسطينيون هم اصحاب مشاريع «الوطن البديل» او «التوطين»، بل هي مخططات اسرائيلية مدعومة من اميركا ودول اوروبية غربية في حينه، وفق ما تكشف مصادر حزبية رافقت تلك المرحلة، لتشير الى انه كان على رافضي المشروع الاسرائيلي، ان يحاربوه، لا ان يتقاتلوا مع من هم مثلهم ضده من الفلسطينيين، الذين اخطأت قيادات في منظمات فلسطينية، بانها تصرفت في الاردن ولبنان، من خلال الكفاح المسلح الذي تبنته نهجاً لاستعادة فلسطين، وكأنها «دولة ضمن الدولة»، تظهر بالسلاح في الشوارع والاحياء، وتقيم سلطتها في المخيمات، وتنشر الحواجز، مما خلق ريبة، ان تكون هذه المظاهر الغوغائية مدخلاً الى اسقاط الدولة في الاردن ولبنان، لصالح مشروعي «الوطن البديل» و«التوطين» فنُكب البلدان، ونال اللبنانيون نصيبهم الاكبر، بسبب سوء ادارة ملف رفض التوطين، الذي بالغ فيه طرف «لبناني مسيحي» خشية من تغيير ديمغرافي، مما تسبب بالحرب – الفتنة.

اما في الشأن السوري، فان الوضع مختلف عن طرح اسرائيل، لمشروعها التوطيني، الذي كان يقابله، اقامة مستوطنات صهيونية، على اراض اقتلع منها الفلسطينيون.

فالنزوح السوري الى لبنان وغيره من دول الجوار وصولا الى اوروبا واصقاع الارض، فانه حصل نتيجة حرب داخلية مدمرة، ومع توقفها تبدأ العودة الفورية والمباشرة الى سوريا، وهذا يتوقف على الحل السياسي الذي يجب ان يكون بند عودة النازحين السوريين اساسياً، على طاولة المفاوضات بين النظام السوري ومعارضيه، تقول المصادر، التي تتمنى ان لا يشكل هذا الموضوع خلافا داخليا، يؤدي الى انقسام سياسي حوله لأن ما يطرحه وزير الخارجية جبران باسيل ليس دون سند اقلقه عندما طرحت فكرة «العودة الطوعية» للنازحين، من قبل جهات دولية، لا سيما من الامم المتحدة، ففسرها بأنها دعوة لبقاء السوريين في لبنان، ولو مؤقتة، وعن ذلك سيحصل «توطين مقنّع» مع تأمين فرص عمل لهم، وتأمين التمويل لتشغيلهم مما يعني اندماجهم في المجتمع اللبناني من خلال الدورة الاقتصادية التي سيقومون بها، ولهم حق التملك، بعكس الفلسطينيين، اضافة الى تلقيهم التعليم وفق المناهج اللبنانية من الصفوف الاولى الى النهائي الثانوي، وهذا يعني تمكينهم من البقاء، وهو ما لم يحدث في عقود سابقة عندما كان السوري يأتي الى لبنان ليعمل في مهن معينة، وفي مواسم محددة لا سيما الزراعية، ليعود الى سوريا عند عائلته، ويبني منزلا او يؤسس عملا من مدخراته.

فما يستند اليه الوزير باسيل في تحذيره من «توطين السوريين» هو ما سمي بـ «العودة الطوعية»، وليس العودة المباشرة مع الحل السياسي، وتوقف المعارك العسكرية، تقول المصادر، لتؤكد ان في صيف 2006، وبعد توقف العدوان الاسرائىلي على لبنان، عاد اهل الجنوب الى مدنهم وقراهم، صبيحة بدء وقف الاعمال العسكرية كي لا يتحولوا الى نازحين، وتستفيد اسرائىل من ذلك لما سيؤدي هذا الوضع الى ازمة داخلية لبنانية، يحقق الاسرائىليون هدفهم من العدوان، وهو ما يجب ان يحصل مع النازحين السوريين، الذين ليسوا هم من يطالبون بتوطينهم، وليس النظام ولا اي طرف في المعارضة، وهو ما يجب على لبنان ان يتنبه له كي لا تتحول المشكلة ما بين اللبنانيين او اطراف منهم والنازحين السوريين، وان يتم التحذير من اي مشروع لتوطينهم. وهذا ما اكدت عليه كل القوى السياسية على مختلف مشاربها واتجاهاتها، وهو ما يطمئن داخليا، وقد ابلغ الامين العام للامم المتحدة بان كي مون رئيس الحكومة تمام سلام ومسؤولين لبنانيين اخرين ان نظرة المجتمع الدولي الى النازحين نظرة انسانية لا سياسية، وعلى اللبنانيين ان يطمئنوا.