في مقابل الكلام الذي يحذّر من أنّ الأشهر التي تفصلنا عن بدء الانتخابات الرئاسية الأميركية ستشهد تصعيداً أمنياً وعسكرياً مستطيراً في كلّ الساحات الساخنة في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، فإنّ مصادر أكثر قرباً من المحافل الدولية تؤكّد أنّ قطار الحلّ في سوريا واليمن يمرّ في هذه اللحظة بمرحلة تأهّب روسي ـ أميركي لوضعِه على سكّة سريعة خلال الشهرين المقبلين، حيث ستفرَض بضغوطهما ملامح خريطة الحلّ في سوريا على جميع المعنيين بها، إقليميين وأطراف سوريّة داخلية.
ماذا في تفاصيل هذه المعلومات ؟
أوّلاً – تؤكّد هذه المعلومات المستقاة من مصادر متقاطعة قريبة جداً من محافل أوروبية وغربية، وحتى إقليمية، على وجود قرار دولي بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار سوريا، وذلك في فترة ما قبل نهاية السنة الجارية.
وتضيف أنّ الحديث يدور عن إنشاء ما يشبه «مشروع مارشال» من أجل سوريا، وأنّه جرى التقدير بأنّ كلفة إعادة الإعمار ستبلغ ثلاثماية مليار دولار.
وتكشف المعلومات عينها أنّ دولة عربية استضافت خلال هذه السنة مؤتمرين لهما طابعٌ دراسي وتقني، بحثا في عملية إعادة إعمار سوريا، وتمّ خلالهما وضع تقديرات لكلفتها، وأيضاً وضعت خرائط إعادة الإعمار وتمّ تصنيف المناطق السورية وفقَ معايير تجارية وسياحية وصناعية وزراعية، وأيضاً مناطق غاز ونفط. وتمّ في خلالهما وضع تصوّر لإعادة إعمار كلّ منطقة ودرس نوعية وهوية المستثمرين الذين سيعملون في كلّ واحدة منها.
ثانياً – لماذا تحدّد هذه المعلومات فترةَ ما قبل نهاية هذه السنة موعداً لعقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار سوريا ولإخراج مفاوضات جنيف من حال المراوحة الى حال التفاوض الجدّي؟
تعزو مصادر المعلومات السبب إلى نقطة جوهرية مفادها أنّ مصالح كلّ من الكرملين والبيت الأبيض تتقاطع في هذه اللحظة عند هدف مركزي، وهما يسعيان بكلّ جهدهما لتحقيقها. أمّا مضمونه فيتمثل بأنّه يتحتّم وضع الأزمة السورية على سكّة الحل السياسي الجدي الواضح المعالم لجهة طبيعة التسوية الداخلية السورية، وذلك قبل بدء الانتخابات الرئاسية الأميركية .
وتفضّل إدارة أوباما أن يتمّ إعلان التوصل الى خريطة الحلّ ضمن مفاوضات جنيف قبل ثلاثة أشهر إلى شهرين من موعد بدء الانتخابات الاميركية. والاعتبار الأساس الذي يجعلها معنية بهذه الأجندة الزمنية هو رغبة الرئيس باراك اوباما أن يعلن نصرَه السياسي في سوريا، في اللحظة الأكثر حاجةً لحزبه لكي يوظّفها لمصلحة مرشّحه في سباقه مع الجمهوريين على رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
أمّا اعتبار الرئيس فلاديمير بوتين فيقع بما تراه موسكو عن أنّ فرصة شراكة سيرغي لافروف – جون كيري التي تعطي الدور الروسي في سوريا عامل قوّة استراتيجي، قد تتبدّد في حال لم ينجح اوباما قبل رحيله من البيت الأبيض في فرض خريطة حلّ سياسي في سوريا، تلزِم جميع الإقليميين بشروطها.
والصورة الراهنة لمشهد الأزمة السورية، تظهِر أنّ تقاطع المصالح بين بوتين وأوباما لاستغلال الفرصة الزمنية المتبقّية حتى الانتخابات الاميركية، تجعلهما حالياً في محور واحد يسعى إلى إطلاق تحوّل نوعي في مفاوضات «جنيف السوري» في تمّوز المقبل وعقد مؤتمر دولي لتمويل إعادة الإعمار في سوريا قبل نهاية هذه السنة، وذلك في مواجهة محور الراغبين في ترحيل الحلّ في سوريا الى ما بعد ذهاب أوباما، وهؤلاء هم جميع الإقليميين المتنازعين فوق الساحة السورية، ولكن المتّفقين، كلٌّ لأسبابه، على تمرير الفترة المتبقّية لأوباما من دون إنتاج خريطة حلّ سياسي للأزمة السورية.
والواقع أنّ الرياض وطهران، على رغم تناقضاتهما، تفضّلان ملءَ مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية بتصعيد عسكري في سوريا يمنع مفاوضات جنيف من إنتاج بداية حلّ سلمي سوري راسخ. وتبدو أنقرة أيضاً مع هذا التوجّه وتتقاطع مع طهران عند نقطة توجّسهما من الطموحات الكردية في سوريا والتي يدعمها اوباما.
وعلى الرغم من أنّ أنقرة تفترق مع طهران حول مستقبل الرئيس بشّار الأسد، حيث تتمسّك الأولى به، على عكس رغبة اوباما، فيما تركيا مع رحيله ولكنّها تفترق مع اوباما في خصوص رفض الأخير لطلبها الحيوي بإنشاء منطقة آمنة تحت إشرافها داخل سوريا.
وباختصار فإنّ السقوف الاقليمية السياسية تتقاطع على رغم خلافاتها الحادة على ترحيل الحلّ إلى ما بعد خروج أوباما من البيت الأبيض، وذلك تحت عنوان أنّ أيّ رئيس أميركي سيأتي بعده، سيكون أفضل منه من منظار استراتيجيتها المتناقضة في سوريا.
دمشق في العمق تتوجّس من شراكة لافروف – كيري وتخشى أن تذهب في نهاية المطاف الى مقايضة بين مصالح روسيا في سوريا ورغبة أوباما بتحديد سقف زمني لبقاء الأسد. وتلاحظ دمشق وطهران في آن معاً أنّ إدارة اوباما اقتربَت من إدارة بوتين – لافروف، في خصوص أنّه يجب الحفاظ على الجيش السوري وأنّه يمكن إعادة تأهيل النظام، ولكنّها لا زالت تصرّ على موسكو أن تحدّد موعداً واضحاً معهاً لتبديل الأسد.
كما أنّ البيت الأبيض والكرملين متوافقان على أنّ الحلّ العسكري لا يؤدي إلى نتيجة، وأنّه يجب إعادة العمل على إنجاح الهدنة المعلنة قبل نحو شهرين والتي كان أدارَها فعلياً ضبّاط روس بالتشارك مع ضبّاط أميركيين من غرفة عمليات «فرز المعارضة المسلّحة» بين معتدلة ومتطرّفة في قاعدة حميميم الجوّية الروسية قرب اللاذقية.
فيما محور دمشق ـ طهران ـ حز ب الله حضّر لمعركة حلب منذ بداية الشتاء الماضي لخوضِها في الربيع الحالي وتقديمها دليلاً على أنّ الحلّ العسكري في سوريا ممكن أو في أحسن الحالات لتحسين موقع الأسد في جنيف.
الروس، بحسب مصادر متقاطعة سوريّة وإيرانية، خَذلوا سيناريو الحسم العسكري في حلب وأعاقوه وفرَضوا أجندة منسَّقة مع واشنطن تفيد أنّ الحل الممكن هو الذهاب إلى جنيف للتفاوض بروحية تقديم تنازلات متبادلة.
وتكفَّلت كلّ من موسكو وواشنطن أن تتوسّلا لإنجاح جولاتها المقبلة من خلال ضغط الروس على النظام في مقابل ضغط الأميركان على حلفاء المعارضة، توصّلاً إلى تليين مواقف المتفاوضين في جنيف في اتّجاه التوافق على آليّة حلّ تفضي إلى انتخابات عامة ووضع دستور جديد وانتخابات رئاسية.
ثالثاً – بحسب المعلومات عينها من المتوقع أن يتفعّل سيناريو الضغوط الروسية ـ الاميركية المنسّقة بغرض إطلاق عملية تفاوض جدّية في جنيف ابتداءً من تمّوز المقبل.
وينقل مصدر مواكب للاتصالات الدولية حول سوريا، عن مسؤول أوروبي قوله إنّه في اللحظة المناسبة والمنتقاة فإنّ واشنطن وموسكو ومعهما الغرب سيكونون قادرين على إقفال الباب على المتفاوضين في جنيف، والطلب منهم عدم الخروج منها إلّا بعد توقيع مسوّدة تفاهمهما على مراحل العملية السياسية في سوريا.
والمتوقع أن يأتي وقت هذا الضغط الدولي في تمّوز المقبل القريب من بدء تصاعد حماوة زخم السباق الرئاسي الاميركي من جهة، ومن بدء مسار تعاظم هواجس بوتين من جهة ثانية، نظراً لأنّ ذلك التاريخ سيؤشّر إلى بدء نفاد عمر شراكة لافروف ـ كيري في سوريا.
يبقى من المهم الإشارة إلى أنّ أجواء التحضير لعقد المؤتمر الدولي للبحث في إعادة إعمار سوريا المقدّرة كلفتها بـ 300 مليار دولار، يمكن لحظ الاستعداد لها في كواليس جميع الأطراف المنخرطة في النزاع السوري، بغَضّ النظر عن موقفهم من مسعى بوتين – اوباما لتسريع الحل السوري.
وتجدر الإشارة من ناحية ثانية ايضاً الى أنّ ضمن هذا السياق، يُطرَح راهناً في ظلّ الهمس الجاري عمّا يسمّى السيناريو السوري الوردي الذي تسعى شراكة بوتين اوباما الى إمراره خلال الأشهر القليلة المقبلة، سؤال جوهريّ ومفادُه ما إذا كان الكرملين والبيت الابيض سينجحان في التغلّب على المصالح الإقليمية الراغبة في ترحيل الحلّ ليصبح في عهدة الرئيس الاميركي العتيد.
وحتى اللحظة توجَد تعبيرات صريحة تشي بأنّ في مقابل الرغبة الأميركية ـ الروسية الآنفة الذاهبة الى حلول سريعة، يتموضع صوت إقليمي عالٍ يشكّك في كلّ التوقّعات الوردية التي تتكهّن بحلول في اليمن وسوريا خلال الفترة السابقة لموعد إجراء الانتخابات الاميركية الرئاسية.
وكان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله واضحاً في خطابه الاخير الذي اعتبَر فيه أنّ الاشهر المقبلة تستوجب الحذر الأمني والعسكري والسياسي في كلّ الساحات الساخنة وليس النوم على سرير توقّع نجاح المفاوضات الجارية في شأن أزماتها.