IMLebanon

الوضع السوري بعد حلب: هل بالمستطاع إبقاء حامية «نظامية» في المدينة؟

لا هي انتهت في جسر الشغور، ولا هي انتهت في بابا عمرو، ولا حُسمت في القصير ولا في يبرود. يبقى أن حلب تختلف عن كل ما سبق، وميزان القوى الذي يميل الآن بشكل واضح لمصلحة «كارتيل» النظام البعثي والحرس الثوري الايراني، والميليشيات العراقية واللبنانية التابعة للحرس الثوري الايراني، والغطاء الجوي الروسي، يلزم لتعديله مجهود نوعي، و«نقد ذاتي» حقيقي من بعد نجاح هذا المحور في محاصرة وخنق المقاتلين المنتفضين على الطغيان ونظام الأبارتيد البعثي – الأقلوي في حلب.

عنصران أساسيان يبدأ بهما هذا النقد الذاتي:

– ليس جائزاً القول، انه «ما كان ينبغي حمل السلاح» في مواجهة الكمّ الذي بلغه القمع الهمجي للانتفاضة الشعبية السورية. لكن الايديولوجية القتالية التي هيمنت في السنوات الماضية، أعطت الأولوية لمحاولة «تحرير المدن» ووقعت بعدها أسيرة حصار هذه المدن أو الأحياء المحررة من هذه المدن من قبل النظام وكتائبه وأعوانه ورعاته، من قبل المدفعية والبراميل الطائرة والطيران «الصديق». الدروس الاساسية لحروب التحرير الشعبي وحروب العصابات في القرن الماضي ما زالت كلية الراهنية: إعطاء الأولوية لمحاصرة حاميات النظام في المدن الرئيسية بانتفاضة الضواحي والأرياف حول هذه المدن، وتقطيع أوصال النظام، خطوط امداداته، بدل ان يحدث العكس: بدل ان لا يبقى من النظام سوى شبكة امداداته لكنه يكون قادرا من خلالها على تسيير فرق الموت خاصته، وتلك الاجنبية، لدكّ حيّ محاصر هنا وحيّ محاصر هناك. ما زال ريف حلب اليوم محرراً بنسبة كبيرة، ومن هذا الريف ينبغي استعادة الزخم،  والإسهام في تعديل نسبة القوى في المنطقة، خصوصا حين لا يعود التركيز الجوي الروسي عليها قائما، نظراً للانهماك في مناطق اخرى.

– المدخل الثاني للنقد الذاتي: التخليط بين اللغة الحربية واللغة الانسانوية لا ينفع الثوار، إنما تنفعهم المزاوجة بين القتال من أجل الإطاحة بالنظام، والقتال من اجل السلم. أن تكون للمعارضة السورية تصوّراتها من اجل إحلال السلام في سوريا، ولا تنتظر القوى الدولية لمثل ذلك، وأن يجري دائماً إفحام النظام بهذا التعلق الشديد بفكرة السلام، وليس العكس، هو امر اساسي، لم يجر الالتفات اليه كما ينبغي. هذا النظام لم يستطع التعايش مع يوم هدنة واحد، وهو يخاف من فكرة السلام اكثر مما يخاف من الثورة نفسها، ومهما استطاع تحقيقه في الميدان في حلب، الا انه لن يستطيع الخروج من هذه الدائرة: لا يستطيع ان يعيش يوم هدنة حقيقياً واحداً.

في مقابل هذين المدخلين الواجدين النقد الذاتي، لا بد من تسجيل محددين رئيسين لما هو حاصل:

– ان حلف الممانعة بمجرد أن يحدد هدفاً بعد حلب، غير حلب، سيقع بنفس الاشكال: يحاصر مكاناً جديداً، فلا يعود قادراً على السيطرة المحققة في المكان الذي سبق له احتلاله. لا يمكن للنظام ان يوجد اوضاعاً مزمنة في مدينة إن هو ذهب لمحاصرة مدينة جديدة. يمكنه، بمعونة حلفائه، احتلال اي مدينة يرغب فيها في نهاية الامر، لكنه ليس بمستطاعه إبقاء حاميات متينة في المدن التي أعاد احتلالها قبل ذلك.

– المحدد الثاني ان روسيا بالتحديد قدّمت كل ما يمكنها أن تقدّمه للنظام حتى الآن. لكن بعد هذه اللحظة من الصعب التصور بأنه يمكنها أن تواظب على اللعبة نفسها قرية قرية، في ريف حلب، كما ان الفصل بين ريف حلب وبين المدينة يحتاج إلى بناء أسوار حول المدينة المهدمة.

الحرب السورية تدخل مرحلة جديدة. ليست تماماً مرحلة ما بعد حلب، لأن حلب ستعود بسرعة الى الواجهة مجدداً، ما ان ينتقل التركيز السوري ـــــ الايراني ــــــــ الروسي الى اماكن اخرى. بالتوازي، وحده التناغم بين جبهات مختلفة في طول وعرض المساحة السورية بمقدوره ان يبدّل بشكل نوعي ميزان القوى رغم الآلة الحربية الروسية، التي لن تكون بعد حلب، حاضرة بنفس الشروط، واذا حضرت بنفس الشروط فإن الكلفة نفسها ستكون مرتفعة اكثر.