ماذا يحصل في سوريا وماذا يُطبخ لها؟ لعله السؤال الذي يدور في أذهان الكثير من المتابعين للأزمة السورية وحتى بعض الضالعين في تأجيجها والعاملين على إطالة عمرها ممن يخشون أن يفوتهم أو ربما يدوسهم قطار الحل بعدما بدأ هدير محركاته يُسمع من جرابلس.. إلى جنيف.
فمعطى الدخول التركي إلى الميدان السوري لن يكون بعده كما قبله، هو دخول مباشر للأطلسي على خط النار مع ما يستتبع ذلك من دلالات تؤشر إلى منعطف ما سلكته الأزمة باتجاه تقاطع أميركي عربي روسي تركي يقود في نهاية مطافه إلى حل سوري جاري العمل على إنضاجه حالياً قبل وضعه على الطاولة وفرضه على الميدان إيذاناً ببدء عملية الانتقال السياسي.
أيقن الجميع أن لا حلّ على الأرض وحدها ولا على الطاولة وحدها، إنما بين الأرض والطاولة يجب تعبيد السبل باتجاه بلوغ حل عملاني وسياسي في آن. وبين الدخول التركي بتفاهم أميركي وتفهّم روسي إلى الأرض واجتماعات وزيري خارجيتي الولايات المتحدة وروسيا على الطاولة في جنيف، تلوح في الأفق همزة وصل جلية واضحة تشي بأنّ قطار تمشيط الألغام الميدانية والسياسية انطلق بعد سلسلة مشاورات مكوكية مهّدت لتزخيم انطلاقته: زيارتا جون كيري إلى جدة وجو بايدن إلى أنقرة والاتصال التنسيقي بين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان.
بعد سنوات من القتال الخلّبي الافتراضي مع «داعش»، صمّت به طهران آذان العالم للتغطية على محاولاتها عبثاً كسر شوكة الشعب السوري ومعارضته المعتدلة وعسكرة الحل لصالحها، يبدو العد العكسي الواقعي والمحاربة الميدانية الحقيقية لهذا التنظيم الإرهابي المشبوه قد انطلق عملياً وعملانياً مع «درع الفرات» توصلاً إلى تأمين «وحدة سوريا» وتفكيك أي كانتونات معوّقة للحل حين يحين أوانه.
أن يقول رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: «ندافع عن وحدة أراضي سوريا وسنستمر في عملياتنا حتى اقتلاع داعش» وغيرها من العناصر الإرهابية من هناك»، وأن يؤكد نائب الرئيس الأميركي إثر لقائه اردوغان أن «تركيا مستعدة للبقاء في سوريا مهما استغرق ذلك من وقت لتدمير داعش»، وأن يعلن الكرملين أنّ الرئيسين الروسي والتركي شددا خلال اتصالهما الهاتفي على أهمية «القتال المشترك» ضد الإرهاب، وأن تُحاط اجتماعات جنيف بين جون كيري وسيرغي لافروف بسرية وجدية ملموستين «للتوصل إلى اتفاق على قتال المتشددين في سوريا»، وأن يأتي قبلها الإعلان من جدة عن خارطة طريق خليجية أميركية لإنهاء الأزمة اليمنية تجرّد ميليشيا الحوثيين من سلاحها وتحظر على طهران تزويدها به.. كلها «كلمات متقاطعة» تؤكد أنّ هناك ما يُرسم عربياً أميركياً تركياً روسياً للمنطقة وليس أمام إيران خيار سوى اللحاق به.
وهذا ربما ما يفسّر «صمت القبور» المدوّي الذي تبديه طهران وحلفاؤها وأتباعها إزاء التطورات في سوريا. الأرجح أنها رضيت بالمقسوم وسلّمت منذ قرار تسليم قاعدة همدان للقاذفات الروسية بأنّ أي مقعد خلفي لـ«المرشد» خلف «القيصر» و«السلطان» في قطار الحل يبقى أفضل من أن يفوتها القطار ويدهسها مع من معها على سكة المعاندة والمكابرة والتعنت.
إيران خسرت الرهان في سوريا واليمن، أما من قاتل وسقط لأجلها في سوريا واليمن فخسر نفسه والرهان.