Site icon IMLebanon

الحلّ السوري من الباب الروسي

الدخول الروسي العسكري على المسرح السوري يؤشّر إلى دخول الأزمة السورية للمرّة الأولى مسارَ الحلّ السياسي. لماذا؟

الأولوية دائماً في الأزمات الكبرى، والحروب ليست فقط للتسويات السياسية، بل للجهات الضامنة لترجمة تلك التسويات، لأنّ غيابها يؤدي إلى تغليب فريق على آخر، وبالتالي عودة النزاع بأساليب أخرى أو على طريقة الحرب الباردة التي لا بدّ من أن تتحوّل إلى ساخنة عندما تتوافر لها الظروف المواتية.

وإذا كان من مثال قريب على سوريا فهو لبنان الذي نجَح في صياغة اتفاق متوازن في مدينة الطائف في العام 1989 يشكّل مخرجاً من الحرب ومدخلاً إلى السلم، ولكنّ تفرّد سوريا برعاية الحلّ السياسي نتيجة اعتبارات عدة أدّى إلى سورَنة اتفاق الطائف ونشوء واقع غلبَة انكسَر جزئياً مع خروج الجيش السوري في 26 نيسان 2005.

ومن هنا أيّ حلّ سياسي للأزمة السورية يتطلب الرعاية الضامنة لتنفيذ هذه التسوية، خصوصاً في ظلّ غياب الثقة بين المكونات السورية، كما غياب الطرف القادر على فرض إنهاء النزاع والشروع في تطبيق مندرجات الحلّ السياسي.

وموسكو هي الوحيدة عملياً القادرة على لعب هذا الدور لتَعذّرِ الأدوار الأخرى والتي يمكن استعراضها على الشكل الآتي:

أوّلاً، الدور الإيراني في سوريا مرفوض عربياً من منطلق أنّه فئوي وداعم للرئيس السوري، فضلاً عن أنّ الصراع الفعلي هو مع طهران وتمدّد دورِها في المنطقة، ومحاولتها السيطرة على أربع عواصم عربية: بيروت، دمشق، بغداد وصنعاء، إضافةً إلى الورقة الفلسطينية، وبالتالي المطلوب عربياً إخراج طهران من سوريا وليس منحها القدرة على رعاية الحلّ السياسي الذي لن يختلف عن رعاية دمشق للحلّ اللبناني في تسعينات القرن الماضي.

ثانياً، الدور الخليجي مرفوض إيرانياً من منطلق فئويتِه أيضاً وتشكيلِه واقعَ غلبة داخل سوريا، الأمر الذي يجعل طهران تتشدّد في رفض أيّ رعاية خليجية للتسوية السورية.

ثالثاً، ما ينطبق على طهران ودوَل الخليج ينسحب على تركيا التي لا يَحظى دورها في سوريا بغطاء لا إيراني ولا حتى خليجي.

رابعاً، الدوَل الغربية غير مستعدّة بعد التجربة العراقية لإرسالِ أيّ قوات عسكرية لرعاية التسوية السياسية.

وفي موازاة الفيتوات المتبادلة، وفي ظلّ الحاجة إلى قوّة تعكس اطمئنانَ فرَقاء النزاع، نجَحت موسكو بانتزاع هذه الورقة للأسباب الآتية:

1- دورها في مجلس الأمن الذي وفّر الحماية للنظام السوري عبر الفيتو الدائم الذي كانت ترفعه أمام أي قرار يهدّد هذا النظام، الأمر الذي يجعلها مصدر ثقة كبرى لدى النظام، خصوصاً أنّ دورها فاقَ بأهميته دورَ طهران العسكري بفعل الحاجز الدولي الذي نجحت بفرضه أمام الرغبة الدولية في مرحلة معيّنة بالتخلص من النظام السوري.

2- تمسّكُها بموطئ قدم في سوريا وضَعها أمام خيارين: إمّا بالقوة والأمر الواقع، الأمر الذي يضعها على تماس مع دوَل الخليج والمجتمع الدولي. وإمّا بالحرص على أن يكون حضورها عاملَ مساعد على إنهاء الأزمة السورية من خلال دور متوازن، لأنّ الصراع السوري تجاوَز فرَقاء النزاع في سوريا إلى البحث عن الحل الذي لا يكسر طهران ولا دوَل الخليج، تجَنّباً لاستمرار الأزمة.

3- غياب ردّ الفعل السعودي على التدخّل العسكري الروسي يؤشّر إلى أنّ اللقاءات بين الجانبين أثمرَت تفاهماً، واستطراداً ارتياحاً سعودياً، فضلاً عن أنّ موسكو بأمسّ الحاجة لصفقات أسلحة وحضور في الوجدان العربي والإسلامي وليس فقط في الجغرافيا السورية، لأنّ موقفَها من الأزمة السورية وضعَ حاجزاً بينها وبين الشعوب العربية والإسلامية.

4- العلاقة التاريخية بين موسكو وتل أبيب تشكّل عاملاً مساعداً جداً، لأنّ إسرائيل ستعرقل أيّ مسعى يمكن أن يشكّل تهديداً لأمنها.

5- الأزمة السورية معطوفةً على الانكفاء الدولي تشكّل عوامل مساعدة لدور روسي شرق أوسطي من الباب السوري.

وحيال كلّ ما تَقدّم لا بدّ من إشارتين:

الإشارة الأولى أنّ الدخول الروسي إلى الحلبة السورية حوّلَ الدور الإيراني إلى دور ثانوي، فاستقطبَت موسكو كلّ التركيز والاهتمام إلى درجة أنّ أحد السياسيين قال ممازحاً إنّه على غرار تحوّل المحكمة الدولية إلى تفصيل بعد الأزمة السورية، فإنّ الاتفاق النووي تحوّلَ بدوره إلى تفصيل أيضاً بعد الدخول الروسي على الخط السوري.

والإشارة الثانية أنّه يخطئ كلّ مَن يراهن على أنّ موسكو ستفَرِّط بفرصتها التاريخية بلعب دور البوليس الدولي المحايد من أجل تغليب فريق على آخر، لأنّ الأزمة السورية ستشكّل المدخل لتفويض دوليّ لموسكو من أجل رعاية الحلول في الشرق الأوسط، ولذلك ستتشَدّد برعاية الحلّ الذي يوفّر الضمانة لمحاور الصراع.