التفريط بالكرامة لا يخضع لمزايدة او مناقصة. استمعت امس الى محامية لبنانية من جيل الوصاية السورية على لبنان، وهي تدين المحامي اللبناني فادي سعد على مداخلته في مؤتمر المحامين العرب في القاهرة. وهي تعتبر انه من المعيب على لبناني ان يتدخل في الشأن السوري ويبدي رأيه في طريقة عمل الجيش السوري “الشقيق”، وفق تصنيفها.
لا أريد أن أناقض رغبتها بعدم التدخل في الشأن السوري، لأننا عالقون ما بين فكَّي النظام ومعارضيه في كل كلمة تكتب او تصريح يذاع، وربما من الافضل ان نترك للسوريين انفسهم تقرير مستقبلهم. لكنني، في الوقت عينه، لا أتغاضى عن بعض “الانبطاح” اللبناني امام كل شأن سوري.
وإذا كانت ذاكرة البعض ضعيفة، أو مستضعفة، أو أن لا ذاكرة لديهم، فانه من المفيد، لإنعاش الذاكرة الوطنية، استعادة كلام الرئيس السوري بشار الاسد عن رئيس حكومة لبنان فؤاد السنيورة في 10 تشرين الثاني 2005 انه “عبد مأمور لعبد مأمور”. واضاف واصفا لبنانيين بقلة الاخلاق عندما قال: “كنا نسمع هجوما على سوريا تحت عنوان عهد الوصاية، ونعبّر عن رفضنا هذه المصطلحات التي تعبر عن نكران الجميل وعن قلة اخلاق مَن طرحها تجاه سوريا التي ضحت كثيرا من اجل لبنان”.
ولا نفهم كيف ارتضت المحامية اللامعة، وغيرها من زملاء مهنة الشرف، ان لا يردوا انذاك على التدخل السوري في شأن لبناني، بل واهانة الشعب اللبناني، اذ انه من المفترض بكرامة شعب ووطن الا ترضى بإهانة رئيس حكومتها، سواء اتفقت معه في السياسة ام لا، طالما ان الكرامة الوطنية لا تتجزأ.
ولا نرتضي دائما بمقولة التضحيات الكثيرة والكبيرة من اجل لبنان وصموده في وجه اسرائيل، اذ نذكر جيداً كيف هرب الجيش السوري اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان العام 1982، ونذكّر بأن معاهدة الدفاع المشترك لم تنفَّذ يوما، سواء في العام 1996 او العام 2006، وخلال كل الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان.
ثم ان التضحيات ردت من “المقاومة الاسلامية” في فترة “سقوط” النظام منذ آذار 2011. وما سقوط ستة من مقاومي “حزب الله” في القنيطرة، وقبلهم المئات في القصير ودمشق وغيرها، دفاعا عن النظام السوري، ودعماً لبقائه، الا رد جميل على كل “التضحيات” التي قدمتها سوريا للبنان. ولا ضرورة لتعداد هذه “التضحيات” التي ذهب نتيجتها ضحايا لبنانيون كثر.
ما حصل في القاهرة، سواء اعتبر تدخلا في الشأن السوري ام لا، يعبر عن اسلوب ارهابي طالما اعتمدته دمشق في لبنان، وحتى مع حلفائها عندما كانوا يجرؤون على “عصيان” اوامر “الوالي” في عنجر. والاعتداء بالضرب ليس جديدا، لكنه حصل على ارض ثالثة شكّلت المسرح، فهل ترتضي الدولة المصرية بما حصل عندها؟ وماذا سيكون موقف اتحاد المحامين العرب؟ هل يجرؤ على تحصيل كرامته وكرامة المهنة معا؟