هل تنعكس الهدنة في سوريا على لبنان لجهة توفير مناخ سياسي اقليمي قد يؤدي إلى حلحلة الملف الرئاسي العالق منذ ما يقارب السنتين والنصف، أم أن الأمر لن يؤثر في لبنان، الذي تحتاج الحلحلة في ملفه إلى عوامل أخرى مطلوبة؟
لا تستبعد مصادر ديبلوماسية في عاصمة دولة كبرى مؤثرة في مسار الأحداث في المنطقة، أنه عندما تتركز الهدنة في سوريا وتظهر معالم خارطة طريق للحل السياسي عبر معاودة التفاوض السوري، فإن الملف اللبناني سيستفيد حكماً من هذه الأجواء. لكن اتضاح مستقبل الهدنة ومعالم الحل السياسي يحتاجان إلى وقت. فالحل ينتظر الوقائع على الأرض، كما ينتظر الإدارة الأميركية الجديدة. وبالتالي باتت غالبية ملفات العالم تعالج بين الأميركيين والروس، وكل الأفرقاء الآخرين لهم تأثير لكنه يبقى محدوداً وتفصيلياً. وبالتالي، التهدئة في سوريا تنعكس على لبنان، لكن المهم مداها، وانتاجها لحل سياسي يتفق الجميع على السير به، وأي حل في سوريا سينعكس حكماً على لبنان. إلا إذا فشلت الهدنة ولم يتفق الأميركيون والروس على مسار سياسي معين، أو ان كان هناك قرار أميركي روسي غير علني بإطالة أمد الأزمة السورية. حتى الآن هناك مبدأ عام يقضي بتوجه سياسي اميركي – روسي لايجاد حل في سوريا. وهذا سينعكس في مواقع اخرى في المنطقة، ولن يكون أمام الدول الاقليمية إلا السير بأي تفاهم بين الدولتين العظميين.
في كل الأحوال، لا يوجد حل قريب للملف الرئاسي اللبناني، ولا تزال موسكو مثلاً مع رئيس توافقي، وترى ان لا حظوظ لا لرئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، ولا لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية. وموسكو ليس لديها فيتو على أية شخصية ولا مرشح مفضل، لكنها تلمح الى اسمَي قائد الجيش العماد جان قهوجي، والوزير السابق جان عبيد. وهي تدرك تماماً ان إيران تربط الملف اللبناني بسلة اتفاقات في المنطقة، وليس فقط بالاتفاق حول الملف السوري، بل حول ملفَي اليمن والعراق وغيرهما، واهمية وقف النار في سوريا للنواحي الإنسانية وتقديم المساعدات ووقف القتل. يوجد اتفاق هدنة سرّي إنما لا توجد حتى الآن معالم لحل سياسي معين وواضح.
مصادر ديبلوماسية أخرى، تقول بأنه يفترض ان يحل الملف اللبناني داخلياً، أما إذا كان اللبنانيون ينتظرون الحل في المنطقة أو في سوريا، فإن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً. وليست الهدنة السورية هي التي ستؤدي إلى الحل في لبنان. الهدنة لا تزال تشوبها عراقيل، ومن المؤكد إذا سرت، فستكون هناك مرحلة هدوء للناس لكي يستطيعوا التحرك، لكنها ليست لتحل الأزمة السورية. تشوب الهدنة حتى الآن ثغرات. وأقصى ما ستحققه هو مفاوضات قد تكون لجولة واحدة فقط في ظل هذا الجو السوري الذي لا يزال متشنجاً، وحيث ان الهدنة لم تغير شيئاً على الأرض، إنما أبقت كل شيء مكانه من دون إطلاق نار. فضلاً عن أنه يقال، ان الأميركيين والروس ليسوا متفقين على كل شيء في التفاصيل لناحية اتفاق الهدنة.
كذلك ان الدول الاقليمية مثل إيران وتركيا والخليج ستلتزم بالهدنة، ولكنها كانت ترغب بدور أكبر. الدولتان العظميان تعترفان بالدور التركي وبمصالح تركيا في شمال سوريا. وإيران ستلتزم أيضاً بالهدنة مع حليفها «حزب الله». وتدرك إيران ان روسيا استطاعت إيقاف النظام على رجليه. ومنذ العملية العسكرية الروسية في سوريا أي قبل عام من الآن يتكرس هذا الواقع، الأمر الذي يجعل إيران تلتزم، ولو كان على مضض.
الدور التركي في سوريا طويل المدى، والروس يحاولون مع الأميركيين إيجاد حلول، لكن الحلول الجذرية ستكون مع الإدارة الجديدة، التي لا تزال غير واضحة الاولويات الخارجية منذ الآن. وهذا أيضاً لا يشكل عامل ضغط سريع لحلحلة الأميركيين والروس ملف الرئاسة اللبناني.
والأتراك لم يدخلوا إلى سوريا إلا بموافقة روسية، وموسكو لم تفاجأ بالعمليات العسكرية التركية. لكن مع التداخلات المتنوعة في سوريا يتعقد الوضع أكثر، وتتعقد معه الحلول.
يستفيد لبنان في تركيزه على ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة لا سيما إذا تثبتت الهدنة. لكن في الملف الرئاسي، هل ينتقل إلى العلاقات الأميركية الروسية لمعالجته بعد تولي الادارة الجديدة الحكم في واشنطن؟ وكيف سيكون الدور الإيراني وحدوده في ذلك؟