على وقع تصاعد أسهم اليمين في أوروبا، ها هي العلاقات السوريّة ـ التركيّة تدخل مرحلتها الأخيرة على طريق إعادة اللحمة بين الجارتَين.
من تصريحات الرئيسَين بشّار الأسد ورجب طيّب أردوغان، وصولًا إلى المسعى الروسيّ الجدّي جدًّا في دمشق وأنقرة، يبدو المشهد واضحًا، أنّ مصافحةً بين الرئيسَين باتت أقرب من أيّ وقت مضى.
وبالطبع، ليس هناك شيء مجّانيّ في السياسة، وإنّما حسابات وتوازنات وربح وتنازل، وهذا ما يمكن الوَصفُ بِه كل ما حُكي عنه من مفاوضات غير مباشرة حصلت في العام ونصف العام الأخيرين. من الوسيط الإماراتي الى الوسيط الإيراني وصولًا إلى الروسيّ، الذي بات يُدرك طريقة التعامل مع «طول بال» الرئيس السوريّ وهدوئه في مقاربة أيّ ملف شائك من مختلف الاتّجاهات.
كان واضحًا منذ أن أبدَت تركيّا نفحة إيجابيّة تجاه سوريا، أنّ الأسد لا يستعجل اللقاء المُحتّم مع أردوغان، إذ إنّ التبدّل في المشهد الدوليّ والإقليميّ والعربيّ كان يجزم أنّ أردوغان، وهو رئيس دولة عظمى، لا يمكن له أن يبقى أسير موقف اتّخذه عام 2011، وبات يدفع ثمنه اليوم ليس فقط سياسيًّا، بل اقتصاديًّا وفي الداخل التركيّ تحديدًا.
«لعنة سوريا» هذه أوجَدت شبه تضامن تركيّ داخليّ، بين الموالاة من حزب «العدالة والتنمية» وحلفائه وصولًا إلى المعارضة، حول ضرورة إعادة العلاقات مع سوريا تمهيدًا لمعالجة نقطتَين أساسيّتَين ومصيريّتَين: الأولى هي وضعيّة اللاجئين السوريّين في تركيا والذين يفوق عددهم المليونَين، والمسألة الأمنيّة في الشمال السوريّ.
وفي المعلومات، فإنّ سوريا لا تمانع إعادة العلاقات مع تركيّا ضمن شروط، تتنقّل في أهميّتها من الشكل إلى المضمون، ومن الاستراتيجيا إلى التفاصيل.
تتربّع على عرش الأولويّات بالنسبة الى دمشق مسألة الشمال، والوجود التركيّ فيه، وهذا الأمر دون تبديده لن تكون للبلدَين علاقات نديّة ولا ديبلوماسيّة ولا سياسيّة في المستقبل. تشير المعلومات إلى أنّ الجانب الروسيّ نقل في الأيّام الماضية رسالة واضحة المعالم لسوريا، يتعهّد من خلالها برعاية الانسحاب التركيّ من المناطق الشماليّة، وهو ما لقيَ ترحيبًا لدى القيادة السوريّة، خصوصا وأنّ الجانب الروسيّ استحصّل على وعدٍ رئاسيّ تركيّ بهذا الأمر.
تؤكّد المعلومات أنّ الأسد كان قد رفض في أكثر من مناسبة اللقاء مع أردوغان في اعتبار أنّه لن يلتقي رئيس دولة تحتلّ جزءًا من سوريا، وأنّه لا يمانع اللقاء بعد إعلان رسميّ تركيّ بسحب القوّات التركية من الشمال.
في هذا الإطار، وعلى رغم من النفي السوريّ الرسميّ، تؤكّد المعلومات أنّ تحضيرات أمنيّة فعليّة وجديّة على الأرض قد بدأت بين الدولتَين عبر ممثّلين عسكريّين وأمنيّين، تمهيدًا لانسحاب الجيش التركيّ من الشمال السوري، ولهذا الغرض عقد لقاء تمهيديّ في قاعدة حميميم الروسيّة قرب اللاذقية، وهو اول لقاء من نوعه منذ العام 2011، في حضور ضبّاط روس.
ومن المتوقّع انعقاد لقاء سياسيّ هذه المرّة في بغداد، وبرعاية روسيّة أيضًا ولكن بغطاء عربيّ واضح، سيجمع السوريّين والأتراك، من أجل التمهيد لإعلان تركيّ مهمّ خلال أيّام، يأتي استتباعًا لكلام أردوغان الإيجابيّ عن وجوب عودة العلاقات.
كلّ هذا يشير في وضوح إلى أنّ التفاصيل مهما أوجَد الشيطان فيها من عراقيل، سيُذلّلها ملاك الحلول الروسيّ الذي ينظر بعين المصلحة القوميّة لإعادة العلاقات بين حليفَيه. السوريّ يسعى لاستعادة سيادته والتركيّ يسعى لإعادة النازحين حفاظًا على سيادةٍ اقتصاديّة. فهل يتّعِظ لبنان من كل هذا الجهد التركيّ في سبيل اقتصاد أنهَكه اللجوء السوريّ؟