Site icon IMLebanon

الفرادة السورية

لا يمكن الضخّ الغربي والاقليمي المضاد لما يفعله الروس في سوريا، أن يبقى في إطاره السياسي والاعلامي.. وتيرته المتصاعدة، ووضوحه الليزري، وحدّة توقعاته، تؤشر في مجملها الى شيء أبعد مدى. والمعلومات المسرّبة عبر الصحف الأميركية، عن تحضير عملية كبيرة في الرقّة، التي تعتبر عاصمة «داعش» السورية، الموازية لعاصمته العراقية في الموصل، وعن اعطاء أوباما الإذن بتسليم بعض فصائل المعارضة السورية سلاحاً مختلفاً عما سبق (؟) تدفع في ذلك الاتجاه وبسرعة على ما يبدو.

فرادة المشهد السوري في ذاته، تفتح باب التكهنات على وسعه وتحيل التمنيات الى الرف: هي المرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي يتلاقى فيها الروس والغربيون في مسرح عمليات واحد لكن بأجندات سياسية مختلفة جذرياً.

العادة التي سرت حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي وبدء انهيار المنظومة الاشتراكية (العظمى بالمناسبة!) هي أن واحداً من القطبين الكبيرين، يتدخل مباشرة في دولة ثالثة ويتم التصدي له (لاحقاً) من القطب الآخر، لكن بطريقة غير مباشرة.

مثالاً فيتنام وأفغانستان هما الأوضح في هذه السيرة.. في الأولى، دخل الأميركيون بعد انسحاب الفرنسيين وواجهوا تلك المعضلة العجيبة الكامنة في ان الاحتلال المباشر انتهى زمنه. وان التطور التقني والعلمي عدا التفوق العسكري بمعناه التقليدي، ليسا شرطاً حتمياً للانتصار. وان «المعسكر الاشتراكي» (العظيم إيّاه!) صبّ كل ما في طاقاته وإمكاناته لضمان شرشحة الأميركيين واذلالهم بهزيمة صارخة!

في المثال الثاني الخاص بأفغانستان انعكست الرواية، وكان واضحاً منذ اللحظات الأولى للغزو السوفياتي مدى «حرص» كل المنظومة المعادية والمضادة إقليمياً ودولياً، على تحويل الأزمة الى فرصة لاستنزاف موسكو وإهانة سلاحها وجيشها الأحمر.. وكانت النتيجة، أكبر من أكبر هدف: لم تُهزم موسكو ميدانياً فقط، انما جاءت تلك الهزيمة لتدق آخر مسمار في أساس البنيان الخشبي المنخور لدولة «العمال والفلاحين»، مع كل تتماتها في أوروبا الشرقية!

في سوريا حالة خاصة: الأميركيون يقودون تحالفاً اقليمياً دولياً واسعاً ضد الارهاب الداعشي، لكن ذلك لم يمنع الروس من الدخول على الخط وعلى طريقتهم مثلما هو حاصل الآن.. ووفق المنطق ذاته، فلا شيء يمنع ذلك التحالف الذي تقوده واشنطن من «تفعيل» عملياته والذهاب، الى تأكيد دعم وحماية المعارضة التي تقاتل السلطة الأسدية و«داعش» معاً في مقابل استمرار الروسي في اعتماد ذلك الخلط الخطير بين كل المعارضة و«داعش»!

نصف مواجهة ميدانية مباشرة، إذا صحّ الاستنتاج، يتواكب مع مواجهة سياسية تامة. الخلطة غير مسبوقة، وولادة تكهنات لا حصر لها، لكن الأكيد هو ان موسكو زادت في رهانها على الانكفاء الأوبامي الى حدّ لا يتحمله أحد. لا أوباما، ولا الشركاء الذين داخوا أصلاً من سياسته وخياراته.. والآتي أعظم!