IMLebanon

أسئلة سوريا الصعبة

 

ساذج من يفصل التطورات المتسارعة في سوريا عمّا بدأ من أحداث كبرى في الإقليم، والتي شهدت تحوّلاً جذرياً، منذ انطلاقة معركة طوفان الأقصى ثم اندلاع الحرب ضد لبنان، مروراً بدخول إيران في أول تماس عسكري مباشر مع إسرائيل. وهي مرحلة، شهدت خلالها الساحة السورية نشاطاً إسرائيلياً مكثفاً، تركّز على توجيه ضربات كبيرة وقاسية الى المجموعات المنضوية في محور المقاومة، والتي تتواجد في سوريا الى جانب النظام، بالتوازي مع ضرب مراكز قوى عسكرية أساسية للجيش السوري أيضاً.

وقد جاءت تطورات سوريا وسط تقديرات غير واضحة، إزاء مرحلة ما بعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه، حيث تسود حالة «اللايقين» إزاء ما يمكن أن يقدم عليه في منطقتنا. وهو ما فرض على اللاعبين الكبار في المنطقة حسابات جديدة. لكن ما هو إضافي يتصل بأن هجمات فصائل المعارضة السورية المسلحة، وما حققته من إنجازات ميدانية، لم يكن ليتمّ لولا التغييرات الكبيرة التي طرأت على المشهدين العسكري والسياسي لسوريا نفسها.

المعارضون للرئيس بشار الأسد قالوا صراحةً إن الحافزية للحرب ضد النظام موجودة بصورة دائمة، وإن عمليات التدريب لقوات المعارضة لم تتوقف خلال السنوات الماضية. لكن القدرة على اتخاذ القرار بالهجوم ما كان ليتم لولا مجموعة عوامل:

أولاً: الموافقة التركية التي برّرتها أنقرة بأنها كانت نتيجة طبيعية لفشل الوساطات الروسية والعراقية مع دمشق، وإن إصرار الرئيس الأسد على رفض المصالحة مع الرئيس رجب طيب اردوغان مثّل عنصراً رئيسياً في قرار أنقرة دعم هجوم المعارضة، وإن تركيا تصرّفت من موقع العارف بأن العالم منشغل بأمور كثيرة، تجعله في موقع العاجز عن وقف هذا الهجوم.

 

هل يتذكّر أحد موقفاً أو رصاصة من الفصائل المسلحة خلال 14 شهراً من العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان؟

 

 

 

ثانياً: ان تركيا تنظر بعين الريبة الى التطورات الكبيرة التي قامت بعد الحرب على غزة ولبنان، وما يحضّر للعراق وإيران. ويتحدث المسؤولون فيها عن دخول الإقليم في بازار جديد مع انتخاب ترامب. كما يرفع الأتراك منسوب خشيتهم من أن يكون الأسد قد وافق على أخذ مسافة من إيران لمصلحة القوى العربية التي تنافس تركيا، من مصر والسعودية والإمارات. ويتداول المسؤولون الأتراك المعلومات حول مساعي هذه الدول لأجل احتواء النظام في دمشق، ليس من أجل إبعاده عن إيران فقط، بل لمنعه من تطبيع العلاقات مع تركيا.

ثالثاً: تعبّر أنقرة عن مخاوف على أمنها القومي، بسبب تنامي النفوذ الأميركي والإسرائيلي، واحتمال انضمام دول التطبيع العربي إليهما، من أجل الإمساك بسوريا وساحل المتوسط، في مواجهة مع مصالح تركيا. إلى جانب مخاوف تركيا من وجود جهد أميركي وإسرائيلي يركّز على تعزيز القوى الكردية المعادية لتركيا، وأن لدى إسرائيل مشروعها المتكامل لدعم مشروع قيام دولة كردية تنتشر في مناطق واسعة بين سوريا والعراق، وصولاً الى تركيا نفسها.

رابعاً: تستند تركيا والفصائل المعارضة، على ما تصفه بتحفظات روسية، على موقف الرئيس الأسد من المسار السياسي في سوريا. ويتحدث المعارضون عن معلومات استقوها من الروس مباشرة، وفيها أن موسكو حثّت الأسد على إحداث تغييرات داخلية كبيرة. وأن النصيحة الروسية جاءت عقب تطورات لبنان وفلسطين، وقول الروس إن عنصر الدعم الكبير الذي وفّرته إيران وحلفاؤها في لبنان والعراق، لم يعد متوافراً بالصورة التي كان عليها قبل عشر سنوات، علماً أن قوى المعارضة نفسها تقول بأن روسيا أبلغتها، كما أبلغت تركيا بأنها معنيّة بحماية الأسد ومنعه من السقوط.

خامساً: إقرار الفصائل المسلحة بأن تغييرات كبيرة طرأت على الوضع الميداني، حيث تبيّن أن الدعم الجوي الروسي لقوات النظام ليس مفتوحاً بالكامل، وأنه يبقى من دون جدوى، في الوقت الذي خرجت فيه من الميدان قوات إيران وحلفاؤها، وخصوصاً انسحاب معظم قوات حزب الله. وهو ما جعل هذه الفصائل ترى أن بمقدورها مواجهة الجيش السوري. لكن، يرفض المسلحون الإقرار بوقائع تشير الى حصولهم على دعم استخباراتي وتقني من إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً توفير المسح الأمني المفصّل للمناطق التي توجّهوا إليها، إضافة الى معلومات قيّمة حول نقاط انتشار الجيش السوري ومراكز تواجد القوى الحليفة له.

سادساً: اتكال الفصائل المسلحة على تراجع التماسك الشعبي في قواعد النظام، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وترهّل القطاع العام وخدمات الدولة، واستمرار الهجرة الكبيرة للكفاءات وتراجع قدرات الجيش السوري، علماً أن هذه الفصائل تتحدث عن أنها كانت على تواصل مع كتل اجتماعية واسعة في سوريا، من أجل «طمأنتها» الى أن المعركة الجديدة تستهدف إحداث تغيير كبير في الحكم ولا تستهدف إسقاط الدولة السورية. وهو أمر يشير إليه المسؤولون الأتراك هذه الأيام عندما يتحدثون عن «سلوك مختلف للمجموعات المسلحة في المناطق التي دخلوها»، علماً أن الصورة ليست على هذا النحو، وإن كانت ليست على ما كانت عليه بين عامَي 2011 و2015.

تبقى المسألة السورية عالقة من دون أجوبة حاسمة، لكن السؤال مشروع عن التوقيت، وعن حجم استفادة أعداء سوريا والعرب منه، له مبرراته، ولا سيما أن إسرائيل شاركت في هذه الحرب من خلال الضربات الكبيرة التي وجّهتها الى حلفاء الأسد في سوريا، كما الى قدرات عسكرية أساسية عند النظام، وتظهر إسرائيل حماسة للتورّط أكثر، سواء من خلال تهديد إيران وحزب الله بأنها سوف تقصف أيّ قوات تخصّهما داخل الأراضي السورية أو حتى وهي في طريقها، سواء من لبنان أو من العراق أو حتى عبر الجوّ من إيران. لكن الأخطر هو أن إسرائيل تعدّ العدّة لأجل خطوات ميدانية بدأت في تنفيذها في القنيطرة، لكنها تريد توسيعها في الجنوب السوري، بحيث تفرض واقعاً مختلفاً، من السويداء إلى درعا، وهي تفعل ذلك في سياق ما تخطط له من جولة قتال جديدة مع لبنان.

يبقى أن على المدافعين عن المعارضة السورية، بكل فصائلها، أن يجيبوا عن سؤال واحد: كيف أمكن لكل هذه القوى، بعد ما أظهرته من قدرات وإمكانات، أن تقف صامتة منذ 14 شهراً، إزاء العدوان الوحشي لإسرائيل على غزة ولبنان، وكيف لم تطلق موقفاً واحداً، أو رصاصة ضد إسرائيل التي كانت ولا تزال تقتل أبناء جلدتها من الفلسطينيين واللبنانيين وحتى السوريين أنفسهم… ذلك أن من لا ينخرط في الحرب دفاعاً عن فلسطين، سيكون من الصعب الدفاع عنه، حتى ولو رفع كل شعارات الدفاع عن حقوق الناس.