تركت شهادة النائب مروان حمادة حول الوجود السوري في لبنان أمام المحكمة الخاصة بلبنان، دهشة لدى مرجع سابق يعتبر من عرّابي اتفاق الطائف.
استعاد المرجع المذكور بعضاً من ذاكرته في هذا الجانب بالتحديد من شهادة حمادة، واستعرض وقائع أساسية تحكي حقيقة ما دار قبل وخلال المفاوضات التي أدت الى الاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، وتحديداً حول موضوع الوجود العسكري السوري وجدولة إعادة انتشاره.
يذكر المرجع جيّداً أن قضية انسحاب الجيش السوري من لبنان بحثت مطولاً قبل التوصل الى الصيغة النهائية المنصوص عنها في وثيقة الطائف. يومها تركّز البحث على السؤال التالي: «لماذا إعادة انتشار الجيش السوري في لبنان والإبقاء على نقاط عسكرية إستراتيجية في مثلث حمانا ــ ظهر البيدر ــ عين دارة بدل الانسحاب الكامل؟». وكان الجواب آنذاك أن السبب «لأن لبنان يفتقر الى الترسانة التسليحية التي تستطيع ان تؤمن منظومة الأمن القومي العربي، وتحديداً خاصرة سوريا».
لماذا عدم القدرة هذه؟
في النقاشات يومها، بحسب المرجع نفسه، تم استعراض عدد من المحطات: في حربي 1967 و1973، استخدمت إسرائيل وادي البقاع كممر إستراتيجي محمي جغرافياً لطائراتها الحربية المعادية، ووجّهت ضربات موجعة في الداخل السوري وفي مرات متتالية، ولم يستطع الجيش السوري سد هذه الثغرة لأن الرادارات السورية لا تستطيع كشف الطائرات المعادية في هذا الممر بسبب عدم وجود منظومة حماية ودفاع لوادي البقاع. لذلك في 1971 ــ 1972، وبتمويل من مجلس الدفاع العربي المشترك، قرر لبنان شراء صواريخ «الكروتال» الفرنسية، وحصلت مشكلة في إتمام هذه الصفقة لأن إسرائيل ضغطت على فرنسا حتى لا تسلم الى لبنان سلاح «الكروتال» لأنه سيستطيع عملياً منع الطيران الحربي الإسرائيلي من التحليق على علو منخفض لكي يلتف على دمشق ويوجه ضربات في داخلها.
وبسبب عدم تمكن لبنان من الحصول على سلاح يردع إسرائيل، لم يستطع إثبات قدرته خلال فترة معقولة على تأمين حماية لضهر البيدر وعين دارة، مكاني وضع الرادارات التي تمنع الطيران الإسرائيلي من ضرب دمشق.
يؤكد المرجع أن هذه الحجة حقيقة، وقد أيدتها مصر التي كانت شريكة في حرب 1973، «لذلك جرى تعديل في أوقات الانسحاب، شرط أنه عندما يتم تأمين الحماية لضهر البيدر وعين دارة تنسحب القوات السورية فوراً من هاتين النقطتين».
يستذكر المرجع انه «في كل مداولات ومفاوضات الطائف لم يسمع المشاركون في المناقشات أي كلمة من القيادة السورية عن حاجتها للتواجد في مثلث حمانا ــ ضهر البيدر ــ عين دارة للحفاظ على تواجد عسكري سوري يكون بمثابة عين على الجبل الماروني والجبل الدرزي. وهذان المصطلحان لا ينطبقان على الواقع، كما انه لم يكن في ذهن المفاوضين الرئيسيين في الطائف أي خلفية من هذا القبيل، انما خلفية مقاربة مسألة الانسحاب السوري كان بُعدها الوحيد الخطر الإسرائيلي».
ويستغرب المرجع أن يأتي النائب حمادة على ذكر هذه المعادلة «وكأنها حقيقة واقعة»، خصوصاً أنه أرفقها باستعمال تعبيرات فيها تقسيم لجبل لبنان بين «جبل ماروني» و«جبل درزي»، وهي تسميات استحدثها حمادة في سياق شهادته وكأنها واقع إداري ــ ديموغرافي ــ سياسي.