تبدو تركيا دولة مضيافة مقارنة ببقية الدول المنخرطة مباشرة بالحروب السورية. فهي تستضيف أكثر من ٣ ملايين سوري لجأوا إليها منذ بداية المعارك، يأتي بعدها لبنان حيث يراوح عدد سكانه من السوريين بين مليون ومليوني نازح ومقيم، ثم الأردن فالعراق.
أكثر من نصف الهاربين من سوريا يقيمون في البلدان المحيطة، لكن النصف الآخر يسعى للوصول إلى أماكن استقرار أخرى، خصوصاً في أوروبا الغربية وأميركا وأستراليا.
الضيافة التركية ليست امتحاناً لكرم الشعب التركي وقربه الجغرافي والديني “والتاريخي” من السوريين والعرب عموماً، إذ هي محكومة بحسابات الحزب الحاكم الذي يدمج بين طموحات عثمانية وأيديولوجيا أخوانية، ليحوّل مسألة اللجوء إلى سلاح يخدم أهدافه.
مع أردوغان يصبح اللاجئ السوري كيس رمل أو سلعة في المعركة، به يهوّل الحاكم التركي على أوروبا وبه يزايد في الكرم الحاتمي على العرب والمسلمين، وبواسطته ينظّم حربه التوسعية في ليبيا بعد زجه في معركة ضد أبناء بلده الأكراد…
ومع احتدام صدامات ادلب أوقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان العمل باتفاقه مع الاتحاد الأوروبي الذي وفّر له 6 مليارات يورو لدعم استضافة تركيا اللاجئين. لم ير مانعاً في رحيلهم إلى الغرب. فتح لهم الأبواب وأرسل الحافلات و”وظّف” عشرات المهربين الذين عادوا بنشاط إلى مزاولة أعمالهم. وجاء تهافت اللاجئين في الرحيل صفعة لأردوغان وضيافته، وصفعة أخرى لكل الدول المشاركة بالحرب، خصوصاً روسيا وإيران.
لم يطلب أي سوري اللجوء إلى هذين البلدين الممانعين، بل إن قوافل من عشرات ألوف العائلات تدفقت خلال ساعات قليلة، في محاولة لدخول أوروبا عبر اليونان. وخلال أربعة أيّام فقط فاق عدد المنتظرين على الحدود البرية في أدرنة الـ140 الف شخص، من دون تعداد ركاب المراكب التي سدت بحر إيجة!!
مثلما تكشف هذه الوقائع، عمق المأساة الإنسانية السورية، تكشف كذلك طبيعة الاهتمام التركي بتلك المأساة، وأهداف التجارة الأردوغانية في إدلب وشمال سوريا. وفي المقابل لا تعير روسيا أدنى اهتمام لمصير ملايين السوريين وتواصل الاستماع إلى إيران، وهي تحضّ الرئيس السوري بشار الأسد على مواصلة معركة لن يحصل الجميع فيها إلا على مزيد من الأرض المحروقة والجموع الهائمة في أصقاع العالم.