لطالما جرى وصف حياة السوريين في ظل نظام الأسد٬ بأنها حياة داخل سجن كبير٬ والأمر في هذا الوصف٬ لم يقتصر على العدد الهائل الذي أقامه نظام الأسد من سجون ومعتقلات منذ أن استولى الأسد الأب على السلطة في سوريا عام ٬1970 فأسس مزيًدا من السجون التابعة لوزارة الداخلية في مختلف المحافظات والمدن والمناطق٬ بل أضاف إليها فرو ًعا ومفارز أمنية فيها مراكز اعتقال وتوقيف٬ تتبع إدارات أمنية٬ تبدأ من إدارة أمن الدولة٬ وتمتد إلى المخابرات العسكرية وشقيقتها المخابرات الجوية٬ وصولاً إلى إدارتي الأمن السياسي والأمن الجنائي٬ إضافة إلى سجون الوحدات العسكرية المنتشرة في كل المناطق والوحدات العسكرية.
لم تكن تلك السجون تعبي ًرا عن تحول سوريا إلى سجن كبير؛ بل كانت جز ًءا من ذلك ليس إلا٬ أما الأساس في ذلك التحول٬ فإنه كامن في صعوبات الحياة السورية وفي أنماطها الصعبة؛ فقمع الحريات الفردية والجماعية٬ ومنع الناس من حقوقها الفردية والاجتماعية٬ وانتهاك خصوصيات الفرد والمجتمع٬ وتقييد الحقوق في العمل والتعليم والصحة والسفر والاختيارات٬ وتغييب القانون٬ كانت أي ًضا من تعبيرات تحول سوريا إلى سجن كبير.
وبخلاف ما كانت الوعود من انفتاح في السجن الكبير٬ في عهد الأسد الابن مع عام ٬2000 وإعادة تطبيع حياة السوريين؛ فقد حول نظام الأسد سوريا إلى معتقل عام ومسلخ بشري ثابت في بعض أماكنه٬ ومتنقل في أغلب الأماكن في السنوات الست الماضية٬ موز ًعا القتل في كل الأنحاء السورية٬ بعد أن خرج السوريون محتجين على سوء أحوالهم ومعاملتهم في مارس (آذار) عام ٬2011 ثم استدعى لتعميم الاعتقال والقتل ميليشيات طائفية متشددة من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان٬ وقوات وخبراء من إيران وروسيا٬ إضافة إلى خطوته في إطلاق قادة متطرفين وإرهابيين من سجونه٬ وفتح مداخل سوريا أمام المتطرفين الإرهابيين من «القاعدة» و«داعش» وأخواتهما٬ ليصيروا أدوات في المقتلة السورية٬ التي تشير التقديرات إلى وصول ضحاياها إلى قرابة مليون شخص من القتلى٬ ونحو نصف مليون شخص من المعتقلين والمختفين قس ًرا٬ والتي أشارت إليها وقائع؛ من بينها «فضيحة سيزار» المتضمنة عشرات آلاف الصور للسوريين الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد٬ وتقرير منظمة العفو الدولية «أمنستي» الصادر مؤخرا الذي قال: «50 معتقلاً يساقون إلى المشانق كل أسبوع في سجن صيدنايا بعد أن يعذبوا في طريقهم إلى الإعدام».
لقد بدا من الطبيعي في ضوء تحولات السجن السوري الكبير إلى معتقل ومسلخ٬ أن يلجأ السوريون إلى الهرب نحو جوارهم في حركة لجوء واسعة٬ سجلت في السنوات الست الماضية٬ أكثر من خمسة ملايين سوري٬ أكثر من نصفهم في تركيا وحدها٬ فيما تتوزع البقية على التوالي بين لبنان والأردن وأقلهم في العراق. ولئن وجد الأولون منهم ظروفًا أفضل للجوئهم٬ فإن التالين منهم صاروا إلى مخيمات هي أقرب إلى المعتقلات٬ وعشوائيات لا تقل سو ًءا في أوضاعها الإنسانية والمعيشية عن الأخيرة.
ولئن استطاع بعض لاجئي دول الجوار السوري اللجوء والهجرة نحو بلدان الغرب الأوروبي٬ عبر انتقال أكثرهم في قوارب الموت وبواسطة مافيات الاتجار بالبشر في طرق العبور البرية٬ فإن كثيرين منهم صاروا إلى مخيمات أشبه بمعسكرات اعتقال ومراكز إقامة مؤقتة٬ تؤكد الوقائع ظروفها الصعبة وغير الإنسانية.
السوريون اليوم في أماكن اللجوء والهجرة٬ بل والإقامة٬ في أوضاع صعبة.
لقد هرب السوريون من حياتهم في السجن الكبير بعد أن تحول إلى معتقل ومسلخ٬ وأصبح أغلب بلدان لجوئهم وهجرتهم وإقاماتهم٬ سجونًا جديدة٬ كل واحد منها بمواصفات وشروط٬ لكنها تمنعهم من الحياة بصورة طبيعية٬ وبدل أن يعالج العالم قضيتهم٬ ويساعدهم في العودة إلى بلدهم٬ ليعيشوا حياة إنسانية وكريمة فيه٬ سكت عن سياسات الأسد الدموية وحلفائه في اعتقال وقتل وتشريد السوريين٬ وفتح سجون جديدة٬ تضم السوريين أينما حلوا في معظم أنحاء العالم في بلدان جديدة٬ وكانت تلك محصلة النظرة العوراء للمجتمع الدولي٬ ونتيجة عجزه٬ وتهافت سياساته إزاء السوريين وقضيتهم ومطالبهم بالحرية والكرامة.