1.5 مليون بين لاجئ ونازح يُثقلون الإقتصاد بالكثير من الأعباء والمعالجات غبّ الطلب
لا تلبث الجهات الرسمية اللبنانية أن تفتح ملف النازحين السوريين، حتى يقفله المجتمع الدولي صراحة، والنظام السوري مواربة. فخواتيم هذا الملف الإشكالي من النواحي الإنسانية، الإقتصادية والأمنية، معلقة بالإبهام السياسي لمستقبل سوريا والمنطقة. وعلى هذا المنوال إستمرت القضية كشماعة للابتزاز حيناً، والمتاجرة أحياناً كثيرة، فيما يدفع كلّ اللبنانيين وبعض النازحين الثمن من جيوبهم وأرواحهم ومستقبل عائلاتهم.
لم يشفع تصنيف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية اللبنانية في تقرير ربيع 2021، بأنها إحدى أشدّ ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن الـ19، بتخفيف المجتمع الدولي أحمال النازحين عن هذا البلد المنهك. بل على العكس من ذلك، فقد وضع المجتمعون في مؤتمر بروكسل السادس حول «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» في 9 أيار 2022، «زيتاً على مسن» تعقيد عودتهم. ردة الفعل الرسمية على الموقف من «بروكسل» تأخرت لأكثر من شهر، حيث أعلن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي أثناء إطلاق «خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023»- أنه «بعد 11 عاماً على بدء الأزمة السورية، لم تعد لدى لبنان القدرة على تحمّل كل هذا العبء، لا سيما في ظل الظروف الحالية». مهدداً بـ:»إخراج السوريين من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم».
إبتزاز المجتمع الدولي
في الوقت الذي يظهر فيه هذا الموقف وكأنه لحماية لبنان، فإن الهدف منه هو «ابتزاز المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب مادية»، بحسب وزير الدولة الاسبق لشؤون النازحين، معين المرعبي. ففي التوازي مع الموقف اللبناني كان مجلس الامن الدولي يناقش المساعدات إلى سوريا، والدول (المانحة) بدأت تحضر لوضع موازناتها لدعم السوريين في مناطق اللجوء. وفي هذا التوقيت بالذات برز الموقف الرسمي للدولة، التي أبعدت نفسها عمّا يجري من خلال وقف عمل وزارة الدولة لشؤون النازحين. فادّعت تشكيل لجنة لمتابعة الملف، مشكلة سابقاً ولم تعمل على تفعيلها طيلة الفترة الماضية، فبقيت القضية زوبعة في فنجان». وبرأي المرعبي أنه «لو كانت الدولة جدية بطرحها، لكانت سلكت الطريق الأقصر والأفعل المعروف، وهو وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بوقف أسباب النزوح وتسهيل العودة التلقائية للنازحين المتمثلة بوجود النظام السوري وداعمه الروسي والميليشيات الإيرانية». المرعبي الذي يرى أن السوريين أبدوا في كل المناسبات رغبتهم في العودة، وضع كل نقطة دم تسيل منهم نتيجة زيادة التحريض في «رقبة» الرئيس نجيب ميقاتي.
حلول منطقية
من المسلم به أنه «لا يوجد بلد في العالم يستطيع استيعاب أعداد لاجئين يشكلون 30 في المئة من عدد سكانه، كما هي الحال في لبنان»، برأي رئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان وديع الاسمر. لكن في المقابل فإن الدولة بحد ذاتها هي من تسبب بهذه الاشكالية مرتين، مرة بالسماح بتدفق هذا العدد الكبير، ومرة ثانية بـ»عدم تحمّل المسؤولية بوضع استراتيجية شاملة لتنظيم أزمة اللجوء». فالمشكلة تعالج بالارتجال، ومن دون وجود خطط واضحة. وعليه فإن النقاش الحقيقي يجب أن يتركز على إيجاد حل حقيقي، وليس عبر رمي المسؤوليات على اللاجئين، وتحويلهم إلى «كبش محرقة» في الانهيار الذي تسببت به السلطة بفسادها وجشعها». وللوصول إلى حلول منطقية هناك مجموعة من الخطوات الواجب اتخاذها برأي الاسمر، ومنها:
– فصل اللاجئين الحقيقيين المستحقين للمساعدات، عن النازحين، أو أولئك الذين يتنقلون بين لبنان وسوريا. وبالتالي منع اللاجئين من العمل والمضاربة على اليد العاملة اللبنانية. أو السماح لهم بالعمل وضخ المساعدات بالاقتصاد.
– وضع قوانين لحمايتهم وقوننة عملهم. فإلزام أرباب العمل بتسجيلهم في الضمان الاجتماعي وإعطائهم بطاقة عمل يسمحان بإحصاء عدد العاملين الفعليين وارسال النتائج إلى المفوضية العامة لشؤون اللاجئين. وبالتالي فصلهم عن المساعدات. ومن الجهة الاخرى يترتب على العاملين ضرائب ورسوم تحصّلها الدولة على غرار بقية العمال الاجانب. وفي هذه المرحلة تصبح كلفة توظيف اللاجئ السوري توازي كلفة أي عامل سواء كان أجنبياً أم لبنانياً، ولا يعود هناك أفضلية تعطى لهم في التوظيف.
– تغيير الخطاب السياسي حيث تستحيل الاستجابة لطلب مساعدات لحل أزمة اللجوء إذا كان جوهر الخطاب يتمحور دائماً حول «رمي اللاجئين بالبحر، وإعادتهم إلى بلادهم غصباً عنهم، أو حتى إغراق أوروبا بهم».
– الحرص على الشفافية والوضوح لجهة المساعدات التي تلقاها لبنان فعلياً منذ العام 2011 والتي تتجاوز رقم 9 مليارات دولار الذي يصرح عنه. خصوصاً أن المساعدات السنوية طيلة السنوات العشر الماضية كانت تتراوح بين 1 و 3 مليارات دولار.
– إصدار الرقم الحقيقي لكلفة النازحين، حيث إن رقم 40 مليار دولار قد يكون مبالغاً به.
– إعطاء العاملين السوريين إقامات تجدد بشكل سنوي، وبشكل متواز مع تطور الوضع في سوريا.
– الاتفاق على إعادتهم إلى مناطقهم الاصلية، وليس مجرد رميهم في سوريا. كأن نأخذ ابن الغوطة الشرقية إلى دير الزور، والحلبي إلى السويداء.
من جهته يرى العضو المؤسّس في «شبكة الباحثين في الشؤون الدوليّة في مركز الأبحاث» (NORIA)، والمدير السياسي في حزب «الكتلة الوطنية»، ناجي أبو خليل أن أول ما يتطلبه حل المشكلة هو الاعتراف بوجودها، وتوفر الإرادة السياسية الجدية ثانياً. وهذان العاملان لا يتأمنان إلا من خلال الضغط على الحكومة السورية التي تملك مفتاح العودة الآمنة والمسهلة. وذلك على عكس المحاولات السابقة لإعادتهم التي كانت أشبه باستعراض إعلامي، وقد جرى توقيف عدد كبير منهم في سوريا فور عودتهم.
أمّا اقتصادياً فيرى أبو خليل أن الحاجة للعمالة السورية في قطاعات البناء والزراعة وخلافه التي لطالما اعتمد عليها لبنان، تحتاج إلى التنظيم والقوننة. وفي حال العكس فلن تنفع مليارات الدولارات التي يطالب بها لبنان. حيث انعكاسها قد يكون مفيداً على المدى القصير، لكن ضارّاً على المدى الطويل للسوريين واللبنانيين على حد سواء لانها ببساطة تهدد بعدم نمو الاقتصاد.
إن كان للدول الاوروبية معاييرها العالمية في قضايا اللجوء، وللمنظمات الدولية والمحلية مقاربتها الانسانية، وللاحزاب خطابها السياسي، فإن لأرض الواقع قصة مختلفة. فالتوتر بين النازحين والمجتمعات المضيفة بلغ الخطوط الحمر. وأكثر من 35 في المئة من الموقوفين بجنح وجنايات هم من السوريين. وأعداد الولادات لديهم فاقت تلك المسجلة للبنانيين. والمضاربة على العمل بلغت أوجها. والضغط على البنى التحتية من ماء وكهرباء وطرقات واتصالات ارتفع بشكل كبير، وأصبح يهدد بحرمانها عن الجميع. والعدد الهائل للنازحين ينافس اللبنانيين على الخبز والمواد المدعومة ويأخذ حصة كبيرة ممّا تبقى من أموال المودعين.
أمام هذه التحديات فإن كل الأطراف المعنية، ولا سيما منها الداخلية مدعوة إلى التوصل إلى حل مسؤول للأزمة بعيداً عن الشعبوية، وعلى المجتمع الدولي وضع حد لتلاعب النظام السوري بقضية اللاجئين لتنفيذ مآرب داخلية ليس أقلها أهمية تغيير الوجه الديمغرافي لسوريا.