IMLebanon

السوريون إلى سوريا اليوم قبل الغد

يُعتبر المشروع التنفيذي لعودة النازحين السوريين الذي أطلقه وزير العمل سجعان قزي نقطة تحوّل مهمة في قضية التعامل الرسمي اللبناني مع هذه القضية الحساسة. لكنّ المشروع الشجاع يحتاج إلى إقراره في مجلس الوزراء الذي لم يسبق له أن تعامل بمسؤولية مع هذا الملف.

تتكرّر الإشكالاتُ بين النازحين السوريين والأهالي في مناطق لبنانية عدة، وبعضها اتّخذ شكلاً دموياً في عين بزيل وآخر في دوحة عرمون وغيرهما.

لم يكن ينقص لبنان الذي يعاني من اهتزازِ استقراره وأمنه أصلاً إلّا إشتباكات النازحين السوريين مع اللبنانيين من جهة وإشتباكات السوريين مع بعضهم البعض من جهة أخرى.

وقد تفاقمت ظاهرة انتشارهم العشوائي في أكثر من 1400 موقع وفي معظم المناطق اللبنانية، وتحوّلت بعض أماكن إقامتهم الى بؤر أمنية لا تخضع الى سلطة الدولة اللبنانية ورقابتها، وهي ظاهرة بلغت ذروتها مع اندلاع معركة عرسال في 2 آب 2015 ضدّ الجيش اللبناني.

يعيش هؤلاء النازحون ظروفاً غير إنسانيّة داخل لبنان، وهذا المناخ والضغوط النفسيّة والحياتيّة قد يجعل البعض منهم عرضة للاستغلال والانجرار وراء ارتكاب المخالفات والتعدي على الأشخاص والأملاك العامة. كما ينمّي عند بعض الأفراد حالاً من العداء للخارج حتى ولو كان بيئة متعاطفة، وردّات فعل غير منضبطة وشعوراً بالحقد حتى تجاه البلد المضيف.

وبالإضافة إلى هذه الظروف، فإنّ ازدياد عدد الخارجين عن القانون في صفوف النازحين يعود في بعض الأحيان إلى تشكيكهم في قدرة الأجهزة الأمنية على ملاحقتهم قانوناً.

والسبب في ذلك هو عدم قدرة هذه الأجهزة – في الكثير من الأحيان – على تحديد أماكن إقامة عدد من النازحين الخارجين عن القانون والمعلومات الدقيقة عنهم، إذ إنّ عدداً غيرَ محدّد من النازحين لا يحمل أوراقاً ثبوتية وليس هناك من وسيلة ناجعة للتأكد من هويته الحقيقية.

هذا الخطر الأمني الناتج عن بعض المتسلّلين السوريين إلى تجمّعات النازحين (وخصوصاً في عرسال وجردها)، يبقى قائماً.

لا شك أنّ هذا الملف الشائك والخطر يكاد يتحوّل قنبلة موقوتة بعد الإتساع السكاني للنازحين السوريين حيث ينافسون السكّان المحليين بأرزاقهم وأعمالهم وحياتهم حتى الهواء الذي يتنفسونه.

وليس سراً أنّ هؤلاء النازحين باتوا عبئاً على لبنان لأسباب تاريخية وديموغرافية واقتصادية ومالية وطائفية ومذهبية، من دون أن تتعاطى السلطات مع هذا الموضوع بوعي ورؤيوية، مستسلمة لضغوطٍ من بعض السفارات الأجنبية العاملة على توطين السوريين في لبنان، مقابل وعود مالية مغرية.

وحده الوزير قزي رفع الصوت عالياً واضعاً حداً لهذا الاستخفاف الرسمي بهذه القضية قائلاً: «انتهى زمن التكيّف مع مطالب المجتمع الدولي ومشاريعه، وحان وقت أن يتكيّف المجتمع الدولي مع مطالب لبنان ومشاريعه». هذه الصرخة التي أتت في المكان والزمان المناسبين، إذ تزامنت مع انعقاد قمة اللاجئين والنازحين الدولية في نيويورك.

أهمية مشروع قزي تكمن بثلاث نقاط:

أولاً، حوّل مشروع قزي التداول بهذه القضية من تثبيت النازحين في لبنان إلى تكريس عودتهم إلى وطنهم تحت شعار «سوريا للسوريين والسوريون إلى سوريا»، ودفع الدولة اللبنانية إلى التفكير جدّياً بتنفيذ هذا المشروع.

ثانياً، أبعد مشروع قزي كأس توطين السوريين المرّة عن لبنان من خلال إثبات اهتمام مسؤول لبناني بهذه القضية ورفضه لأيّ مشروع آخر يؤدّي إلى بقاء النازحين لأنّ الكيان اللبناني في خطر. وأسمع الصرخة لسفارات ومنظمات دولية موجّهة من دول تعمل على تحويل النازحين إلى مقيمين منذ عام 2014.

ثالثاً، لم يكتفِ قزي بوضع الأصبع على الجرح، إنما طرح حلّاً جذرياً من خلال إعادة اللاجئين إلى مناطق آمنة في سوريا التي تبلغ مساحتها أضعاف مساحة لبنان وبالتالي ثمّة مناطق هناك خالية من الأعمال العسكرية وباتت تتوفّر فيها شروط المنطقة الآمنة، وعلى المنظمات الدولية مساعدتها على خلق مقوّمات الحياة المائية والكهربائية والمستوصفات والمدارس وغيرها.

يبقى الإنتقال من القسم النظري إلى العمل الفعلي والميداني وقد حدّد قزي إنطلاقة المشروع في أوّل كانون الثاني 2017. لكن هذا المشروع الطموح لا يزال يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء واقراره رسمياً، وهذا ما سيبادر اليه قزي في أقرب جلسة، وسيضع جميع المعارضين له أمام مسؤولياتهم ليتحملوا تداعيات هذه القضية الشائكة.

قد يواجه المشروع صعوبات نتيجة إنقسام النازحين السوريين إلى موالين للنظام ومعارضين له. لكن من المتوقع أن يعود النازحون الموالون إلى مناطق النظام والمعارضون إلى مناطق المعارضة. أما السوريون غير النازحين الذين جاؤوا إلى لبنان كمهاجرين يبحثون عن نمط حياة جديدة لهم فسيعمل مشروع قزي على إعادتهم إلى سوريا.

موضوع النازحين السوريين يحتاج إلى حلّ اليوم قبل الغد، لا من موقع عنصري أو طائفي، إنما من موقع الحفاظ على لبنان.