صار واضحاً لكل متعاطٍ بأزمتي العراق وسوريا أن الولايات المتحدة التي تقود تحالفاً دولياً لمحاربة الارهاب فيهما ممثَّلاً بـ”داعش” وتنظيمات أخرى مشابهة له، والتي تقود مع المجتمع الدولي وفي مقدمه روسيا والدول الكبرى في أوروبا حرباً مماثلة، صار واضحاً أنها تعتمد كثيراً على الأكراد في العمليات العسكرية التي تشارك فيها أو تخطّط لها وتقدم لمنفّذيها الدعم المتنوّع الذي يحتاجون إليه. فالعراقيون من هؤلاء يسيطرون على مناطقهم في شمال العراق المتمتّعة بالحكم الذاتي النظري أيام الراحل صدام حسين والفعلي بعد إطاحته عام 2001. ويمتلكون جيشاً مدرّباً، بل هيكلية عسكرية ومدنية جدّية وقويّة. ولم يكن ينقصهم سوى السلاح الحديث والمتطوّر والمعقد والقاتل الذي كانت مقتِّرة في تقديمه لهم بسبب معارضة “الحكومة المركزية” في بغداد. لكن هذا التقتير خفَّ بعض الشيء بعدما وجدت صاحبته عدم استقرار سياسي حكومي داخل الأكثرية الشيعية الحاكمة في العراق، و”تبايناً” بين حكومته والمرجعية الإقليمية للعراق أي إيران، وعدم قدرة على استعمال العسكر والأمن الرسميين فيه لمواجهة الإرهاب، واصرار طهران على اعطاء الأولوية للميليشيات أي “الحشد الشعبي” وأمثاله. أما السوريون من الأكراد فان واشنطن بدأت أيضاً الاعتماد عليهم في مواجهة الإرهاب داخل سوريا، وأحياناً على منظمات إسلامية معتدلة غير كردية ثائرة على النظام. ولعل أبرز انجاز تحقَّق على هذا الصعيد كان نجاح الأكراد المذكورين الذين يقودهم حزب الاتحاد الكردي (PYD) في إخراج “داعش” من شريط طويل محاذٍ للحدود التركية. وشكّل ذلك أول هزيمة عسكرية كبيرة له. والإنجاز الآخر الذي تحقّق بفضل الدعم اللوجستي، المعلوماتي، التخطيطي، التسليحي، التدريبي، الأميركي الجوي كان تعزيز هذا الحزب الكردي سيطرته على الأراضي الكردية داخل سوريا، ومباشرته فوراً تنفيذ مشروع حكم ذاتي طموح، وبدء إنشاء إدارات تعالج القضايا المحلية. وبذلك ساهمت أميركا وخصوصاً بغاراتها الجوية المُحكمة في تغيير المشهد السياسي السوري. وهي ربما أطلقت بذلك منافسة طويلة الأمد بين التنظيمات والمجموعات السورية المعارضة للأسد ونظامه وحزب الـPYD الكردي. وإذا تابع هذا الأخير نجاحاته فسيكون من الصعب إعادة تأسيس دولة سورية مركزية قوية. وربما يساعد ذلك على نحو غير مباشر في التخلّص من المتطرّفين وأهمهم وأقواهم “داعش”.
هل يمكن تفصيل ما فعله الـPYD الحزب الكردي الحاكم أكراد سوريا اليوم وما ينوي فعله؟
تفيد المعلومات الأميركية الموثوق بها أنه أخرج “داعش” من شمال سوريا وشمال شرقها حيث توجد غالبية كردية في “الجزيرة” و”كوباني”، وأنه يسيطر على منطقة “عفرين” في شمال غرب سوريا. وحصل ذلك في أحيان كثيرة بتواطؤ أو تعاون بين الأكراد ونظام الأسد وخصوصاً في 2011 و2012 و2015. وتفيد أيضاً أن الحزب المذكور بدأ في منتصف حزيران 2013 مشاورات مع أحزاب كردية أخرى كما مع العرب والمسيحيين والشيشان المقيمين في مناطق كردية من أجل إقامة إدارة موقتة. وأعلن مشروعه رغم اعتراضات المعارضة السورية السياسية وانتقاداتها. وفي هذه الأثناء أكد مسؤولو الحزب أنهم لا يسعون إلى التقسيم أي الانفصال لكن زعيمه صالح مسلم قال في حديث صحافي في ذلك الوقت “إن خرائط سايكس – بيكو لم تعكس الحقيقة عند وضعها. ونحن لا نهتم اذا تغيرت أو لا. نهتم فقط باحترام إرادة الشعب (الكردي) وتطلّعاته وطموحاته”. كما نفى سعيه إلى “دولة مستقلة”. لكنه أصر على “أن الأكراد لن تحكمهم ثانية حكومة مركزية في دمشق”.
وتفيد المعلومات الأميركية نفسها ثالثاً أن حزب الـPYD الكردي أُسِّس في حزيران 2012 “اللجنة الكردية العليا” لإدارة المدن الكردية المحرَّرة، لكنها لم تعِش طويلاً. فأعلن في مطلع 2014 “الحكومة الديموقراطية للحكم الذاتي” في غرب كردستان. وأكد “دستورها” ان كانتونات عفرين وكوباني والجزيرة ستبقى جزءاً من سوريا، كما ستكون نموذجاً لنظام غير مركزي فيديرالي يحكم سوريا مستقبلاً. وأُنشئت بعد ذلك هيكلية حكم ومؤسسات نصّت على وجوب قيام جسم تشريعي في كل كانتون ومجلس تنفيذي مؤلّف من رئيس ونائبين له و22 وزيراً، ومجلس قضائي ومجلس قضاء أعلى من سبعة أعضاء، وهيئة تشرف على الانتخابات.
ماذا تفيد المعلومات الأميركية نفسها رابعاً؟