Site icon IMLebanon

رسالة سورية إلى القمة الأميركية-الخليجية بتفجير لبنان

 

لا يمكن تفسير الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية بحقّ ميشال سماحة بالسجن 4 سنوات ونصف السنة فقط، تبقّى منها 7 أشهر، إلّا كونه رسالة سورية إلى القمة الأميركية-الخليجية بتفجير لبنان في حال اتخاذها أيّ قرار بإسقاط النظام السوري.

الردّ الأوّل على كشف جريمة سماحة-المملوك كان باغتيال الشهيد وسام الحسن. والردّ الثاني جاء اليوم من خلال المحكمة العسكرية. وما حصل يذكّر كيف ارتدّ «حزب الله» على الداخل اللبناني بعد حرب تموز 2006، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل قرّر الحزب أن يَرتدّ إلى الداخل مجدداً، ولكن من بوابة القلمون هذه المرة؟ وهل عبوات سماحة التي لم تنفجر قرّر النظام السوري تفجيرها اليوم سياسياً، واستطراداً أمنياً؟

وهل هناك قرار إقليمي بتفجير لبنان في رسالة إلى العرب والغرب، وتحديداً في اللحظة التي يجتمع فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قادة دول الخليج؟ وألا يذكّر توقيت الرسالة وشكلها بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري لحظة دخوله إلى البيت الأبيض؟

لا يمكن أن تكون رسالة المحكمة العسكرية معزولة عن كل التساؤلات التي سبقتها. فهي رسالة سورية بامتياز في لحظة إقليمية-دولية حساسة، وفي مرحلة بدأ فيها العد العكسي لسقوط النظام السوري، هذا العد الذي بدأ سياسياً مع «عاصفة الحزم» والتحوّل الاستراتيجي الذي أحدَثته في المنطقة، وعسكرياً من خلال الانتصارات التي حققتها المعارضة في إدلب وجسر الشغور وغيرهما والتي شكّلت دينامية من المتوقع أن تستكمل وصولاً إلى إسقاط العاصمة السورية دمشق قريباً.

ففي خضَمّ كل هذه التطورات جاءت الرسالة السورية بصندوق المحكمة العسكرية إلى واشنطن والرياض، وفحواها أنّ أي قرار تتخذه القمة الأميركية-الخليجية بإسقاط النظام السوري يعني تفجير لبنان عبر نقل الأزمة السورية وتحويلها إلى أزمة إقليمية وتهديد أمن إسرائيل.

فالنظام السوري الذي استخدم كل الأوراق للدفاع عن وجوده على حساب إرادة الشعب السوري لم يبق أمامه سوى التهويل باستخدام لبنان بنقل الحريق السوري إلى ربوعه. وليست مصادفة في الحسابات السورية أن يظهر في الوقت نفسه علي المملوك إلى جانب بشار الأسد بعد كل الشائعات التي تحدثت عن موته وعَزله، وصدور حكم المحكمة العسكرية بإطلاق سماحة بعد أشهر معدودة.

وإلى جانب كونها رسالة تحدّ واستفزاز، تشكّل تغطية مباشرة لمَن خطّط لتفجير لبنان، وإعطاء الضوء الأخضر للتفجير مجدداً. فالرسالة السورية التفجيرية تعني أنّ هناك اتجاهاً لإعادة النظر بقواعد اللعبة التي أُرسِيَت مع الحكومة الحالية ونجحت بتحييد لبنان عن الحرب السورية، وبالتالي هي رسالة إقليمية بامتياز، ويبدو، وفق المعلومات، أنّ المسؤولين يتعاطون معها على هذا الأساس، وتحديداً على مستويين:

أولاً، على المستوى الخارجي: توجيه رسالة ديبلوماسية ساخنة إلى النظام السوري من موسكو التي يعقد فيها الرئيس سعد الحريري لقاءات مع القيادة الروسية، ومن كامب ديفيد التي تستضيف القمة الأميركية-الخليجية، بأنّ أيّ عبث بالأمن اللبناني يعني تسريع إسقاط النظام السوري، لا الخضوع إلى التهويل بالتراجع عن إسقاط هذا النظام. فمنطق المقايضات انتهى إلى غير عودة. وعقارب الساعة الإقليمية بعد «عاصفة الحزم» لن تعود إلى الوراء.

ثانياً، على المستوى الداخلي: كسر قرار المحكمة العسكرية بتمييزه أو أي شيء آخر، لأنّ التسليم بهذا القرار يعني الاستسلام السياسي والهزيمة السياسية والتنكّر لشهادة الحسن وكل الشهادات التي لحقتها وسبقتها، ومنها الشهداء الأحياء، وضرب منطق الدولة والمؤسسات وفي طليعتها القضاء، وتشريع القتل وفتح الباب أمام الفوضى وشريعة الغاب والمطالبة بإطلاق كل الإسلاميين من سجن رومية، واستباحة الدستور والقوانين.

فما حصل يتمّ التعامل معه بكونه إشارة سورية واضحة بتغيير قواعد اللعبة عبر استخدام الساحة اللبنانية مجدداً في سياق الصراع السوري، وأنّ النظام السوري ما زال يتخذ من لبنان رهينة سياسية، ويستخدم مؤسساته لتحقيق أغراضه ومصالحه على حساب الشعب اللبناني وأمن لبنان واللبنانيين.

كما يتمّ التعامل معه بكونه انقلاباً على التفاهم السياسي الذي أرسى التوازن الحالي وأنتجَ الحكومة والحوار. فالرسالة القضائية-السياسية مقدمة لشيء كبير. وهذا الشيء الكبير لا يمكن إسقاطه إلّا عبر مواجهته، لأنّ الرضوخ والتسليم بالأمر الواقع يؤدي إلى تمرير المؤامرة على لبنان.

ومن هنا كان القرار الجريء والسريع لوزير العدل أشرف ريفي برفض الحكم والتصويب على المحكمة العسكرية بالدعوة إلى إلغائها، وقد فعلت ردّة فِعل ريفي الفورية فِعلها السياسي، وأجريت اتصالات على أعلى المستويات لاستهاض الواقع السياسي والوطني والإقليمي والدولي تحت عنوان: قرار المحكمة العسكرية لن يمرّ. نظام الأسد الذي يخسر في سوريا ممنوع عليه أن يحقق انتصارات في لبنان.

وبرزت أمس خشية فعلية من انفلات الشارع السنّي على خلفية قرار المحكمة، خصوصاً أنّ سماحة كان مُكلّفاً بزرع تفجيرات تستهدف أهل السنّة وقياداتهم، فضلاً عن أنّ هذا الشارع يتّهم الدولة أساساً بالتمييز في طريقة التعامل معه سياسياً وأمنياً وقضائياً.

وبالتالي، في حال لم يُعَد النظر بقرار المحكمة، يعني أنّ النظام السوري اتخذ قراراً بتفجير الفتنة السنية-الشيعية في لبنان، ما يعني أنّ ما عجزت عنه متفجرات سماحة-المملوك، التي كان الهدف الأساس منها إشعال هذه الفتنة، نجح نظام الأسد مجدداً بتفجيرها سياسياً في لبنان كمقدمة للفتنة السنية الشيعية. وإذا كانت الرسالة السورية لجسّ النبض وطبيعة الرد عليها وشكله، فلقد جاءها الرد سريعاً بأنّ لبنان لن يسلّم بالهيمنة السورية على مؤسساته.

وإذا كانت الرسالة السورية رداً على المحكمة الدولية من باب المحكمة العسكرية، فالمحكمة الدولية ستواصل تظهير الدور السوري التخريبي في لبنان، خصوصاً أنّ شهادة النائب وليد جنبلاط أخيراً وقبله الرئيس فؤاد السنيورة أعادتا تظهير الدور السوري المركزي والأساسي في اغتيال الشهيد رفيق الحريري وطريقة إدارة لبنان بقبضة ديكتاتورية تسلّطية واحتلالية.

وإذا كان الهدف حَرف الانتباه عمّا يحصل في القلمون، أو ما يحضّر داخلياً، أو نقل النقاش من التعيين والتمديد العسكريين إلى الاشتباك السياسي-القضائي الذي يشكّل مقدمة لتطيير الحكومة، فإنّ الرسالة وصلت، ولا تهاون مع قضية سماحة-المملوك مهما كان الثمن.

فلا تسوية في هذا الملف، خصوصاً في زمن «الحزم» و»الأمل». فالمرحلة التي تمر فيها المنطقة اختلفت جذرياً عن المرحلة السابقة، وأيّ مؤامرات يحوكها نظام الأسد ضد لبنان سترتدّ عليه مباشرة.

لقد ثبت بالملموس وللمرة الألف أنّ النظام السوري لن يترك لبنان يعيش بسلام، ولكن السؤال اليوم ماذا عن «حزب الله» ودوره؟ وهل سيغطي القرار السوري الكبير بالتفجير؟

وهل من مصلحته تفجير لبنان في اللحظة التي يخوض فيها أشرس المعارك في سوريا وعلى جبهات أخرى لا تنتهي في العراق واليمن؟ وهل هذا القرار سوري حصراً، أم هو قرار مشترك لكلّ محور المقاومة على قاعدة «عليّ وعلى أعدائي»، لأنّ سقوط نظام الأسد يشكّل سقوطاً لهذا المحور كله ؟

ماذا عن «حزب الله» ودوره؟ وهل سيغطي القرار السوري الكبير بالتفجير؟ وهل من مصلحته تفجير لبنان؟ وهل القرار سوري حصراً أم هو مشترك لمحور المقاومة كلّه؟