Site icon IMLebanon

سوريا المقبلة في رؤية نظام الأسد

لفترة طويلة من التاريخ المعاصر، نظر نظام الأسد إلى سوريا، باعتبارها مزرعة تخص العائلة ورأس العائلة ليس إلا؛ ولهذا لم يكن من الغريب أن تسمى بـ«سوريا الأسد»، وبالتبعية فإنه لم يكن ينظر للسوريين، إلا باعتبارهم أتباعاً وعبيداً في «سوريا الأسد»، لا دور لهم في الحياة إلا خدمة العائلة ورأسها، والتصرف وفق رغباتها ومصالحها الضيقة. ولهذا؛ فقد كان من الطبيعي ولعقود طويلة مكتوب لكل سوري يحقق إنجازاً في مجال ما، أن يهديه للرئيس، الأب والقائد وصاحب المكرمات إلى آخر القائمة، التي تجعل من السوريين مجرد أتباع، يستجيبون لرغبات رأس السلطة الذي اختار لمرحلة وراثته ابنه باسل، وهيأ السوريين لتقبل الفكرة، وعندما مات باسل في حادثة ملتبسة سرعان ما استبدله بوريث آخر، سلمه سدنة النظام الورثة قبل أن يجف الماء على قبر أبيه.

ولأن الأسد الأب استطاع الحفاظ على سلطته في سوريا المكتوبة على اسمه وسط معادلات محلية وإقليمية ودولية، ضمنت بقاءه لثلاثين عاماً متواصلة على سدتها. فإن وريثه، فشل في تحقيق تلك المعادلة؛ مما عزز عوامل التفجير في مزرعة أبيه، فانفجرت ثورة السوريين من أجل مطالب الحرية والكرامة والعدالة، ومن أجل مستقبل مختلف لسوريا والسوريين.

ومرة أخرى، أثبت الوريث فشله في استخدام أدوات السيطرة، التي كانت خليطاً من الإكراه والمراضاة، واستخدام القوة العارية، واقتصر على الأخيرة باعتبارها الطريق الوحيدة والممكنة من أجل إعادة سيطرته وعائلته على البلاد وأهلها؛ مما عمق الاختلالات في المعادلات الداخلية من جهة وفي المعادلات الخارجية؛ الأمر الذي دفعه للارتماء في أحضان تحالف إقليمي دولي، لم يكن أبداً بين خيارات أبيه القريبة، فأصبح الابن رهينة خياراته الإيرانية – الروسية من جهة، ورهينة ما أفرزه الصراع الداخلي في سوريا، وهما العاملان الأساسيان اللذان يرسمان صورة سوريا المقبلة في رؤية النظام.

إن الأساس في اختلال المعادلات الداخلية عمليات القتل والاعتقال والتدمير والتهجير التي طالت غالبية السوريين وأغلب المدن والقرى السورية، وخلفت قطيعة بين أكثرية السوريين والنظام، وفتحت في الوقت نفسه، أبواب خيارات أخرى في عدادها السعي إلى دولة مدنية ديمقراطية، ومثله السعي إلى دولة إسلامية، وصولاً إلى دولة خلافة على نحو ما ترغب جماعات التطرف والإرهاب من «داعش» و«القاعدة» وأمثالهما.

وهكذا نرى أن الإيرانيين وميليشياتهم أقرب إلى مشروع سوريا محكومة بأنصارهم لضمان بقاء سوريا المستقبل في حدود السيطرة الإيرانية باعتبارها جزءاً من رقعة الانتشار الاستراتيجي الإيراني في الشرق الأوسط، وحلقة في الطريق من طهران إلى البحر المتوسط عبر العراق ولبنان، وتتجاوز حدود هذا الطموح البُعدين السياسي والعسكري إلى بعد آيديولوجي، تركز إيران من خلاله على أهمية حضورها الحاسم ومشروعها في سوريا والمنطقة؛ ولهذا السبب فإنها في التفاصيل تسعى لبناء وجود إيراني سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي في سوريا وبخاصة في العاصمة دمشق ومحيطها عبر شبكة معقدة من المؤسسات والعلاقات، وهي تضع وجود ونشاط الميليشيات الشيعية التابعة لها في خدمة مشروعها.

ولا يختلف هدف الروس الرئيس في سوريا كثيراً عن هدف إيران في ضرورة أن تكون سوريا المستقبل جزءاً من رقعة الانتشار الاستراتيجي في شرق المتوسط، بما يوفره الانتشار من مصالح سياسية وعسكرية واقتصادية، لا تتعلق بسوريا وحدها إنما بمحيطها الإقليمي وتفاعلاته القريبة والبعيدة، وهو الأساس الذي قام عليه التدخل والوجود الروسي وعلى أساسه، يمكن فهم السياسات والممارسات الروسية، التي تتغلغل في عمق الحياة السورية، وتنظم شبكة علاقات داخلية وإقليمية قوية ومعقدة، توظفها جميعاً لتعزيز وجودها الاستراتيجي في سوريا.

ورغم أن طموحات نظام الأسد بسوريا المستقبل، ليست بعيدة عما كانت عليه صورتها في الماضي، باعتبارها مجرد مزرعة لرأس النظام والعائلة، لكن بتعديلات، تضمن إبعاد بعض عوامل التفجير الداخلي الجغرافية والبشرية بواسطة جراحة العنف التي لجأ إليه نظام الأسد في السنوات الماضية دون توقف، وبالاستناد إليها، تم طرح مشروع سوريا المفيدة، والتي يمكن توسيع مساحتها أكثر، طالما كان الأمر متاحاً بمساعدة الإيرانيين والروس أو غيرهم، بمن فيهم الأميركيون والأوروبيون والإسرائيليون الذين لن يمانع نظام الأسد في القبول بمصالحهم، طالما تم الحفاظ على النظام ورأسه في السلطة.

سوريا المقبلة في رؤية نظام الأسد، هي سوريا الممكنة في المعادلة الداخلية – الخارجية، التي ترضي شهوة البقاء في السلطة واستعباد السوريين ولا شيء آخر.