Site icon IMLebanon

ما هي تعهدات سوريا المُسبقة مقابل عودتها إلى الجامعة؟

 

بمعزل عن المواقف العربية والغربية التي رحّبت بقرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية من عدمها، طرح مضمون القرار الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب أكثر من علامة استفهام، وخصوصاً لجهة إشارته إلى «خطوات عملية وفاعلة» تمّ التفاهم بشأنها مع دمشق «للتدرّج نحو حلّ الأزمة، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة». وعليه، ما هي «الخطوة المسبقة» التي «سلّفتها» سوريا؟ وهل هي في حجم هذا القرار؟

 

لم يحمل قرار وزراء الخارجية العرب الرقم 8914 أي مفاجأة لجهة استئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة وكل الأجهزة التابعة لها اعتباراً منذ لحظة اتخاذه الاحد، في اجتماعهم الاستثنائي في القاهرة. فقد كان القرار السعودي المؤدي إلى هذه الغاية واضحاً وصلباً منذ ان قرّر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان زيارة دمشق الشهر الماضي، والدعوة التي وجّهها لاحقاً إلى نظيره السوري فيصل المقداد للمشاركة في لقاء جدة في 14 نيسان الماضي، قبل مشاركته في لقاء عمان الرباعي الذي عُقد في الاول من ايار الجاري، واللذين خُصّصا للأزمة السورية، وجمعا بالإضافة إلى الرياض ومصر جاري سوريا، العراق والاردن، قبل ان يتحول خماسياً بضمّ لبنان إلى عضويته أمس الاول.

 

وإن تجاوزت اكثرية الدول العربية الثمانية عشرة التي وافقت على قرار العودة السورية إلى مقعدها الدائم في الجامعة العربية ومؤسساتها بعد 12عاماً على تجميد عضويتها، مواقف الدول التي اعترضت على القرار، والتي تقدّمتها كل من قطر والمغرب، فقد ثبت انّ الرغبة السعودية هي التي رجّحت الكفة، بدليل فقدان ما يستوجب هذا التوافق العربي الكبير لدى أكثرية الدول التي كانت تنتظر ما يُثبت التحوّل في الموقف السوري تجاه ما هو مطلوب من سلسلة الشروط التي أعاقت صدور مثل هذا القرار في قمة الجزائر التي حملت قبل اسابيع على انعقادها مطلع تشرين الثاني العام الماضي صفة «لمّ الشمل» من دون القدرة على لمّه.

 

وبناءً على ما تقدّم، فقد تحدثت المعلومات التي تسرّبت من كواليس لقاءات القاهرة الأحد الماضي، عن موقف سعودي متشدّد في شأن العودة، بعدما تحدث ممثلها طويلاً عن نتائج المفاوضات الثنائية التي خاضتها الرياض مع دمشق، ودفعت قيادتها إلى تقديم مجموعة من الضمانات الأولية التي عرضها بالتقسيط وزير خارجيتها فيصل المقداد في لقاءي جدة وعمان، بفارق أسابيع قليلة على لقاء وزير الخارجية السعودي مع الرئيس السوري بشار الأسد.

 

ولفتت المصادر، إلى انّ إصرار بعض وزراء الخارجية على فهم نتائج هذه اللقاءات قبل البتّ بقرار العودة، دفع كلاً من السعودية والأردن إلى التعهّد بمتابعة الاتصالات مع دمشق، لضمان بعض الخطوات الأساسية التي تعهّدت بالسير بها أمام اللجنة الرباعية قبل توسيعها باقتراح ضمّ لبنان اليها، في اعتباره آخر دول الجوار السوري، والذي كان ما زال مغيّباً عنها حتى لقاء عمان الاخير. وقد تمّ ذلك بمعزل عن الخطوات الكبرى المطلوبة من سوريا، والتي لم يحن اوانها بعد، وهي من تلك التي كانت موضوع المشاورات العربية السابقة معها وتحديداً لجهة الفصل النهائي في علاقاتها مع طهران في الإطار المتصلّب الذي كان مطروحاً قبل «لقاء بكين» الذي شكّل مدخلاً إلى مسار طويل لترتيب العلاقات بينها وبين الدول الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً.

 

وعليه، فقد اعتُبرت الضمانات السعودية والاردنية باباً ومدخلاً صالحاً لاتخاذ اللقاء قراره بالاكثرية، بعدما عبّر المعترضون عن موقفهم الرافض بلباقة ديبلوماسية، على امل ان تستكمل اللجنة الخماسية اتصالاتها بدمشق تسهيلاً لاستكمال ما هو مطلوب، وخصوصاً على مستوى وقف تصنيع المخدرات وتسويقها إلى بلدانهم، وإخراج المجموعات المسلحة من اراضيها، وإعادة النازحين السوريين إلى مناطقهم الأصلية، بالإضافة الى ما يتصل بالعلاقات الواجب قيامها بين النظام والمعارضة السورية في انتظار توحيد المفهوم العربي من هذه المعارضة، والتي اعتبرت انّها عنصراً مهماً لا يمكن البحث فيها ان لم يتمكن أحد من إقناع النظام بإحياء البحث في الدستور السوري الجديد الذي تمّ تجميد العمل به من طرف واحد، على الرغم من الجهود الروسية التي بُذلت على مدى السنوات الاخيرة لوضع مسودته النهائية، والتي تتحدث عن تعديلات جوهرية يمكن إدخالها في تركيبة النظام للخروج من بوتقته البعثية كحزب رسمي للدولة يتحكّم بمؤسساتها. وكلها عناوين ينتظر الجميع البتّ بها بالإضافة الى ما تضمّنه القرار الأممي الرقم 2254 من اصلاحات دستورية وسياسية لا بدّ منها.

 

عند هذه المؤشرات الأولية التي قادت إلى القرار النهائي، باستعادة سوريا كرسيها في الجامعة العربية، تحدثت معلومات اخرى عن تفاهمات ثنائية تمّ البحث فيها على هامش اجتماعات وزراء الخارجية، وهي حصيلة المفاوضات الثنائية التي جرت في الفترة الاخيرة على اكثر من مستوى، وخصوصاً بين دمشق وكل من الرياض وأبو ظبي وعمان ومسقط، فبقيت خارج نطاق البحث مباشرة على الطاولة المستديرة، وقد تمّت الإشارة اليها في متن البيان النهائي للاجتماع، من خلال الحديث عن «خطوات عملية وفاعلة للتدرّج نحو حلّ الأزمة السورية، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الرقم 2254».

 

وعليه، توقف المراقبون أمام ردّات الفعل التي تلت القرار، فكان مضمون بيان وزارة الخارجية السورية طبيعياً لجهة الترحيب بشكله وتوقيته ومضمونه مع ما حمله من تحوّل في الموقف السوري المعلن عنه. فقد كانت دمشق تستعجل بعض الخطوات الثنائية- بين دولة ودولة ـ قبل العودة إلى تركيبة الجامعة العربية، إثر حملة التشكيك بدورها وأهميتها التي رافقت بداية المفاوضات الثنائية مع سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والسعودية، قبل ان تتجاوزها التفاهمات الثنائية لتصبّ في اطار العودة الكاملة إلى ما لم تكن تحتسبه أولوية.

 

وعند هذه المعطيات، تترقّب المراجع الديبلوماسية ما يمكن ان تقوم به اللجنة الخماسية التي تمّ تشكيلها لمتابعة ما تمّ التفاهم في شأنه لتحصين التفاهمات التي قادت إلى قرار العودة الكاملة. وهو أمر يشوبه عدد من المخاوف في ظل رفض عدد من العواصم الكبرى للقرار، وهو ما عبّرت عنه واشنطن بقولها انّه «ما زال من المبكر عودة سوريا إلى الجامعة العربية»، وذلك بالإنابة عنها وعن عدد من الدول الاوروبية والغربية التي لا تزال تقدّم «الحل السياسي» على اي تفاهم مع النظام بوجوهه القديمة.

 

ولذلك، يكبر الرهان على دور اللجنة الخماسية ومعها جملة المخاوف، إن قيست النتائج المتوقعة بالتجارب السابقة التي مكّنت دمشق من التنصّل من كثير مما تعهّدت به سابقاً، وجاءت الغارات الاردنية للقضاء على أكبر تجار المخدرات في السويداء إشارة واضحة إلى التشكيك المسبق ببعض التعهدات السورية. وقد تتكرّر محاولات دمشق للعرقلة وربما عجزها عن تنفيذ القرارات الاخيرة، ربطاً بسقوط ما تعهّدت به في لقاءي جدة وعمان، وهي من المعوقات التي تؤخّر الحل النهائي الشامل للأزمة السورية ومعالجة تبعاتها، وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، في ظلّ الغموض الذي يلف التعهدات السورية المسبقة وضمان الوصول إليها.