Site icon IMLebanon

منظومة التهريج!

كانت النكتة محبوكة برباط متين عند توليفة «الاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب» التي أعتُبرت ولا تزال أساسية في خطاب أهل البلطجة الأسدية الإيرانية، كلما شنّت إسرائيل اعتداءً على أحد مواقعهم!

صارت النكتة اليوم منظومة تهريج! وراح أبطالها الى الإمعان في تطويل وتوسيع مشهد الخواء ومحاولة مواكبة الضجيج المضاد الناري والفعلي بضجيج بائس، هوائي وخطابي..! والبلطجة صفة وليست شتيمة. وهي تعني في القاموس الحياتي والعاداتي للناس، أنّ صاحبها المكنّى «بلطجيّاً» لا يستقوي إلا على الأضعف منه! لكنّه أمام الأقوياء، يروح الى الصوت لتغطية الضعف. والمعادلة بسيطة: كلما علا الصوت تأكّد السامع من علوّ كعب الرعب عند الصائح!

وتلك سيرة مألوفة، وصميميّة في أداء سلطة رئيس سوريا السابق بشار الأشد، ورعاته في إيران: ضمور عنصر توازن القوة مع الهدف المقصود (شعب سوريا مثلاً) يدفع الشراسة الى ذروتها. ويبدّد أيّ منحى بعيد عن الإلغاء و«الحسم»، أو يدلّ على شبهة تسوية لا تليق بمدوّنة الانتصارات «الإلهية» أو الوضعيّة أو «المختلطة» طالما أن هناك «أنصاف آلهة» يُديرون المعركة ويتحكّمون بالمصائر الخاصة بأمم وشعوب وأوطان!

السقف اللاجم لذلك الأداء (البلطجي!) هو حضور التوازن باتجاه الآخر المطلوب قصفه وإبادته ومحوه وحسم وضعه مرّة واحدة وأخيرة! أو اختلال الميزان لمصلحته! أو «ملاحظة» مكامن وأسباب وشروط وأدوات وآليات قوة بطّاشة، أكبر من القدرة على تحمّل تبعات المسّ بها! أو محاولة الاستطراد أو الاجتهاد بالرد عليها.

في هذه الحالة، المتكرّرة إسرائيلياً 13 أو 14 مرّة في السنوات القليلة الماضية داخل المجالات «السيادية» الأسديّة والإيرانيّة وتلك الخاصة بـ«حزب الله» في سوريا، كانت هذه المنظومة برمّتها تستعين بالكتمان أوّلاً ثمّ بالتورية والغموض بحيث لا يُعلن تماماً أين قصفت «طائرات العدو» وماذا قصفت.. ثمّ باعتماد تلك التوليفة الآسرة عن «الاحتفاظ بالرد في الوقت والزمان المناسبَين»!

.. والتتمّة الحتميّة لذلك الخواء المتدرّج، كانت في الذهاب الى ارتكاب مذبحة في حق المعارضة السورية وبيئتها «أينما أمكن ذلك»! وبكل سلاح متوفّر! وتحت أيّ راية «ملائمة» وخصوصاً تلك الماسّية الرنّانة الطنّانة القائلة بـ«محاربة الإرهاب»!

على أنّ نكتة «الردّ بالزمان والمكان المناسبين» كانت تليق بالإسرائيليين، لكن إزاء الأميركيين الذين حضروا هذه المرّة وقصفوا الشعيرات رداً على جريمة السارين في خان شيخون، كان لا بدّ من مواكبة لائقة: صارت النكتة منظومة تهريج تامّة. وارتفعت وتيرة الصوت الى ذرى الهلوسة وبكل شفافية ممكنة.. وبيان ما يُسمّى «غرفة عمليات الحلفاء» الذي اشتمل على «قرارات» وقراءات وتحدّيات وتوعدّات وتكسيرات ولغويّات وتلوينات مشعّات برّاقات، هو شيء من تلك الهلوسة، وأحدث نتاجات منظومة التهريج البائسة هذه!

لم يتركوا شيئاً للآتي الأعظم.. والله أعلم!