Site icon IMLebanon

منظومة الفساد… في التعليم أيضاً!

يكفي الإستماع الى ما يتردّد في المجالس والشوارع من كلام على كل أنواع الفساد، لنتأكد أنه مظهر يخترق المؤسسات، كمنظومة متكاملة. ولعل ما كشفه وزير الصحة يعكس أحد مظاهر الإهتراء، خصوصاً وأنه تناول أسماءً ارتكبت مخالفات، وهو ما لم يحصل مع تجارب سابقة لم تحدد مسارات الفساد وأسماء المخالفين.

وما كشف من فساد، لا يقتصر على قطاع بعينه، هو جزء من منظومة تطال كل مفاصل البنية اللبنانية، حتى في قطاع التربية، الذي يظهر وكأنه غير معني بهذا الموضوع، الا ان الفساد يطال أيضاً المؤسسات والإدارة وطريقة صرف الأموال والإهدار والتلزيمات والتعيينات والعقود التي لا تبرئ قطاع التعليم عامة، حيث التحاصص سمة اساسية بين الأفرقاء المختلفين.

مظاهر الفساد تنهش القطاعات، أما الفاسدون، فوفقاً لكلام المجالس والألسنة باتوا يشكلون “طبقة سياسية” تسيطر على مفاصل أساسية للبلد، وأيضاً الثروة وتدير طريقة توزيعها وإهدارها، وهي لا تعير اهتماماً للرأي العام، طالما لا تكترث لطريقة صرفها، في ما إذا كانت للمصلحة العامة أو لاعتبارات مصلحية خاصة. لذا تتشكل منظومة فساد من “فوق” الى “تحت” تستفيد منها جماعات مختلفة وبنسب متفاوتة أيضاً، ويضيع معها إمكان المحاسبة، في غياب أي عصب اجتماعي أو حراك اعتراضي، حيث الاستنفاع يتجاوز المحاسبة ويطغى على العملية بأكملها، وفق المقادير وطريقة توزيعها من أعلى الهرم الى أسفله.

سيقال أن قطاع التربية والتعليم معصوم، ولا فساد وإهدار فيه. هي مقاربة مقلوبة، اذا شهدنا نماذج عدة من الفساد، لا يتحمل مسؤوليتها وزير بعينه، ولا يبرأ أيضاً اذا اتخذ قرارات “إصلاحية” بالتسوية مع هذا الفريق أو ذاك، طالما لا يأخذ الإصلاح طريقه الى النهاية. وهنا أيضاً تقاطعات المصالح تشكل روابط وثقى بين الفئة المتحكمة بالعائدات مهما يكن حجمها في قطاع معين، وبالقرارات أيضاً. شهدنا مثلاً منح تراخيص لمؤسسات تعليم عال لا تستوفي الشروط، وتعاقد بالجملة لأساتذة استمر تقليداً منذ أيام الحرب، وتعيين مديرين وعمليات نقل، وتوقيع عقود مشاريع تربوية ممولة من جهات مانحة في البحوث من دون شفافية، ثم تراخيص لمدارس خاصة مجانية إفرادية لا تستوفي الشروط، يتحول أصحابها الى ميسورين بسنوات قليلة، الى تلزيمات في الجامعة الوطنية وبناء مدارس وثانويات لا حاجة فعلية لها، فكيف لا يكون الفساد واقعاً هنا، وأساسه الإهدار وتوزيع المنافع؟.

ربما ما عاد ممكناً اليوم تحديد حجم الفئة المستفيدة من الفساد في النظام المتشكل، بعد الطائف. ولا نعرف أيضاً حجم الفئة المعترضة. فكيف نفسر اعتراض وزراء في النظام السابق على فساد في الصحة والتربية وغيرهما، من غسان تويني وإميل البيطار وغيرهما، الى المعارضة التي كانت تحدد مكمن الفساد؟. فقد تصبح الفضائح للتسلية، طالما أن عملية الإصلاح لا تستطيع أن تستقطب قوى بعصب اجتماعي غير منتفعة من الفساد! لذا معركة الفساد طويلة، ولا رهان في ما يحصل للذهاب أبعد من ذلك بكثير!.