لبنان ليس «ولد ضائع» وجاري البحث عن أمّه، لبنان «وطن»، حان الوقت لنسيان الكلمة القبيحة «إمّ الصبي»، لبنان ليس «صبي»، كما حان الوقت لتسمية الأشياء بأسمائها، لا يعيش لبنان أزمة تشكيل حكومة، ولا أزمة «تعيين» حزب الله وزيراً لسُنّة 8 آذار، لا يوجد شيء أصلاً إسمه سُنّة 8 آذار، هؤلاء هم أنفسهم كانوا سُنّة عبد النّاصر ، وسُنّة أبو عمّار، وسُنّة القذافي، وسُنّة نظام الاحتلال السوري، وسُنّة إيران وحزب الله حالياً، ومن سيربح الكباش في ختام الصراع الإقليمي سيكون سُنّته، هذا سيناريو نعيشه منذ العام 1976 مع دخول الاحتلال السوري للبنان، تماماً مثلما صنع هذا النظام «فتح أبو موسى» ورفعها في وجه «أبو عمّار»، لطالما لعب هؤلاء دور «التعطيل» في سياسة «فرّق تسد» التي أتقن النظام السوري لعبها تحت عنوان «نقبل بما يقبل به جميع اللبنانيّين» ومنع طوال ثلاثين عاماً اللبنانيّون من الاجتماع!
حتى عندما وضع اتفاق الطائف استخدمت في صياغته لغة مطاطة وغامضة، تُرك فيه ألف ثقب لألف مناورة، ونظن أنّ طريقة تطبيقه خلال خمسة عشر عاماً أكّدت أنّ معظم عناوينه تُعطّل، وهذا يستدعي ترميمه وتوضيحه وجعل بنوده بوضوح شديد، ومن المؤسف أن واقع لبنان السياسي السقيم لا يسمح بهذا، خصوصاً وأنّ النوايا السيّئة والاستقواء بالسّلاح وفنون التعطيل التي يمارسها حزب الله ستؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه.
نحن نعيش أزمة نظام، وليس أزمة تأليف حكومة لا صغيرة ولا كبيرة، كلّ الحكومات التي تشكّلت منذ العام 2005 واجهت أزمات تأليف، وهذا دليل كافٍ على أزمة النظام اللبناني، والأمر الوحيد الذي يمنع حزب الله حتى اليوم من الانقضاض على وضع يده بشكل معلن ونهائي وإعلانه «الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان» هو عدم حسم الوضع إقليمياً لمصلحة إيران، وفي كلّ الدول التي تعتبر أنها أصبحت في قبضتها، وللمناسبة حزب الله لا تهمه «المثالثة» التي لن تفيده إلا بالتعطيل، وها هو يُعطّل من دون الحصول عليها بنصّ الدستور، فقد طبّقها «من الباطن»على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، حزب الله يريد لبنان كلّه، وفي انتظار قدرته على إعلان سيطرته نهائيّاً عليه «التعطيل» هو أداة ممارسته السياسة إلى حين!
بالكاد يتذكّر اللبنانيّون اليوم أنّ حزب الله لم يطلب أن يكون له وزراء في الحكومة اللبنانيّة إلا في العام 2005، اضطرّ للدخول مباشرة على خطّ الحكم في عمليّة إحلال لـ»الإيراني» مكان «السوري» في الحكومات اللبنانيّة، هل علينا أن نستدعي الذاكرة اللبنانيّة عبر انسحاب «وزيري حزب الله» من اجتماع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يوم اغتيال النائب جبران تويني في 12 كانون الأول عام 2005 بحجّة درس طلب الحكومة ضمّ جريمة اغتياله إلى الجرائم التي تحقّق فيها لجنة تحقيق دوليّة؟ هل علينا أن نستدعي ذاكرة الانقلاب على الحكومة في أيلول العام 2006 وبدعة انسحاب الطائفة الشيعيّة من الحكومة وتسميتها بالبتراء، وهل علينا استدعاء الذاكرة اللبنانيّة مع حكومة الثلث المعطّل بعد 7 أيار العام 2008، وبعدها حكومة الثلث المعطل في أول حكومات الرئيس سعد الحريري بعد انتخابات العام 2009، ثم حكومة القمصان السّود التي اكتشف معها حزب الله أنّ حكم البلد ليس سهلاً كما كان يظنّ، فأعاد الكرة إلى «الوحدة الوطنيّة» ثمّ وتعطيل تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، هذا مسار طويل من التعقيد والتعطيل بدلاً من التساؤل وانتظار من هي «إمّ الصبي» الحقيقيّة!
للمناسبة، لم يعد للرئيس سعد الحريري ما يتنازل عنه لحزب البلد تحت عنوان «إنقاذ البلد»، التنازل الذي يطلبه حزب الله هذه المرّة هو «الرئاسة الثالثة ورأسها»، ولا نظنّ أنّ هذا الأمر غائب عن الرئيس الحريري، و»الإعتذار» أفضل مليون مرّة من الرضوح لحلم حزب الله بتوزير»سُنّي» من «طائفة حزب إيران»، شخصيّاً، نظنّ أنّ الإنقاذ الحقيقي للبنان هو ترك حزب الله وحلفاؤه يحكمون، تعلّموا من الشعب اللبناني الذي اختار أن يتفرّج على اللعبة من مقاعد الجمهور، هذا الشعب المدرّب بخبرة الحروب التي مرّت عليه، اكتشف منذ العام 2009 أنّه مع حزب الله «لا أمل للبنان بالبقاء على قيد الحياة»، الاستمرار في هذه اللعبة و»تصديقها» و»خداع النّفس» بأنّنا ننقذ البلد هو مشاركة حقيقيّة في قتل لبنان، بالمناسبة «الأمّ الحقيقيّة» تخلّت عن «الصبي» لمصلحة بقائه على قيد الحياة في امتحان نبيّ الله «سليمان الحكيم» عليه السلام، مع ملاحظة أنّ لا أحد يستطيع أن يدّعي أنّه يلعب دوره في المشهد اللبناني العقيم!