بعد قرابة أكثر من ستة أشهر من الاجتماعات والمماحكات والمناكفات وما بينهما الكيدية السياسية، والعصبية المذهبية والطائفية، لم يبقَ أمام أرباب النظام الطائفي سوى ترحيل النفايات إلى الخارج كحل لا بديل عنه للخروج من هذا المأزق، وبعد قرابة السنة وسبعة أشهر من اللعبة نفسها حول إملاء الشغور في أعلى موقع في الدولة وهو رئاسة الجمهورية، فهل يكون المخرج بترحيل الانتخابات الرئاسية إلى أمد غير محدود، ويبقى البلد مكشوفاً على كل الاحتمالات السلبية، وبكلام أكثر وضوحاً هل يخسر اللبنانيون الجمهورية على حدّ التعبير الذي استخدمه زعيم تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري في خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه معه رئيس حزب القوات اللبنانية وحليفه الأبرز الدكتور سمير جعجع؟
مع الفارق الكبير بين أزمة النفايات وأزمة الاستحقاق الرئاسي وعدم جواز المقاربة إلا أن ما يحصل حتى الآن على صعيد هذا الاستحقاق من نكايات ومماحكات وبينهما عصبيات مذهبية وطائفية يجعل المقارنة مقبولة ومعقولة بين الأزمتين اللتين تشغلان كل اللبنانيين، وتثير اهتمام الدول الكبرى والصغرى وصولاً لمنظمة الأمم المتحدة حيث كانت أزمة النفايات حاضرة في أروقتها وفي الاتصالات التي أجراها رئيس الحكومة تمام سلام مع رؤساء الوفود التي شاركت مؤخراً في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي رسمت علامات استفهام كبيرة عن الحالة المزرية التي وصل إليها لبنان في ظل عجزه عن حل مشكلة مثل النفايات، فكيف يمكنه بعد ذلك أن يحل مشكلة أكبر وأهم مثل الانتخابات الرئاسية، فمن المسؤول عن الحال الذي وصل إليه اللبنانيون؟
الجميع بدون استثناء يقرّ بأن المسؤول الأول والأخير هو النظام القائم على الطائفية وعلى تحكّم أرباب هذا النظام بكل مقدّرات الدولة ومفاصلها بمعزل تام عن مصلحة الوطن وشعبه، وقد أثبتت أزمة النفايات هذه الحقيقة وجاءت أزمة استمرار الشغور في أعلى موقع في الجمهورية تؤكد فشل النظام القائم عن الاستمرار في إدارة شؤون الدولة والحفاظ على بقائها، ومع الأسف الشديد في ظل غياب المساءلة والمحاسبة الشعبية التي تعتبر الشعب مصدر السلطات الذي يملك أيضاً سلطة التغيير.
ومهما قيل عن الأسباب التي أدّت إلى عجز أرباب هذا النظام عن حل أزمة الشغور في رئاسة الجمهورية، رغم اعترافهم جميعاً بأنهم بذلك يرتكبون جريمة كبرى ضد الوطن والدولة والشعب، فإن الحقيقة المجردة تقول بأن المسؤول الأول يبقى الشعب اللبناني الذي ما يزال يتفرج على ممارسات هذه الطغمة ولم يقدم بعد على وضع حدّ لممارساتها وطريقة معالجتها للقضايا الوطنية كقضية الانتخابات الرئاسية التي لم يشهد العالم المتحضّر مثيلاً لها وحتى في العالم الثالث المحكوم بالديكتاتوريات على أنواعها.
كل واحد يتذرّع بأسبابه الخاصة لبقاء الشغور في رئاسة الجمهورية، ولا أحد منهم استطاع أن يقنع الشعب بهذه الأسباب ما دامت تنطلق من اعتبارات ذاتية وشخصية وليس من اعتبارات وطنية، والحال هذه لا بدّ من العودة إلى منطق الدستور المعمول به حتى إشعار آخر وهو الذهاب إلى مجلس النواب الذي يمثل الشعب ولو إفتراضياً وانتخاب رئيس جمهورية يسدّ الفراغ ويُعيد للمؤسسات الدستورية إنتظامها وتسيير شؤون البلاد والعباد، لا أن يتلهّوا ويلهوا النّاس بطرح تسوية من هنا وتسوية من هناك على هذا الشخص أو على هذه السلّة الكاملة والمتكاملة، لأن مثل هذا الطرح يتنافى مع الديمقراطية ومع النظام والدستور، ولا يشكّل أي حل للأزمات التي يعيشها هذا البلد بقدر ما يزيد كما يقول المثل الطين بلّة، وبقدر ما يُراكم المشاكل.