غلبَ على المناهضين لنظام آل الأسد التحليل القائل بأنّ هذا النظام يتحصّن وراء المشكلة المستفحلة التي اسمها تنظيم «الدولة الإسلامية» أو «داعش». ما تتجه اليه الأمور، مع موجة الرعب الأخيرة، من الطائرة الروسية الى باريس، مروراً بالاستهداف الدموي لبرج البراجنة، هو أن «داعش» هي التي تتلطّى وراء نظام آل الأسد، لأنّ كل خطة تناقش ضد هذا التنظيم ولا تشمل تفكيك النظام البعثي، بل تبحث عن تشغيله في وظيفة ما، انما هي، خطة فاشلة. لا جدوى لأي تحرّك اقليمي أو دولي ضدّ تنظيم «الدولة» ما لم يرتبط التدخل الجوي بتدخل برّي واسع النطاق، ولا تدخل بريّاً واسع النطاق دون أن تكون محطة منه، وفيه، انهاء طور البحث عن وظائف لبشار الأسد. التعاون الوحيد الذي يمكن أن يقدّمه الأخير للجهد العربي والاسلامي والعالمي ضد تنظيم الدولة يكون بتنحيه، وفقاً لترتيب دولي يتجه مباشرة نحو اعداد العدّة للتدخل البرّي، ويُدعّم بحالة طوارئ مالية عالمية تتعلّق بقطع ما أمكن من قنوات الامداد المالي لتنظيم «الدولة».
المقاربة المختلفة والتي تسعى الى تبني الموقف الروسي اوروبياً أو حتى اميركياً، وبالتالي ادماج نظام آل الأسد في الحرب ضد «داعش» هي مقاربة من شأنها جعل الظاهرة الجهادية خارجة عن السيطرة تماماً، وبشكل غير مسبوق، حتى بالنسبة لما رأيناه حتى اليوم. لأنه كي يكون هناك مواجهة حربية جدية ضد «داعش» يلزم التدخل البري، وكي يكون هناك تدخل بري لا يمكن ابقاء مسألة «ماذا نفعل بنظام آل الأسد؟» معلّقة بالفضاء. صحيح أنّ الهجمات الداعشية استهدفت هذه المرة باريس الأكثر اصراراً على ربط مكافحة داعش بموقف مناهض لاستمرار نظام آل الأسد، لكن التحدي الأساسي يكمن في التقاط هذا الموقف واعادة شحنه والدفاع عنه مجدداً. ارتياح «داعش» لأنها تستطيع ان تفعل اي شيء في العالم راجع لأنها تظن بأن العالم لن يتخلى عن آل الأسد، وطالما العالم لم يتخلى فإنّ هذا الحزام الأسدي حمائي لها عملياً، ويقوّض احتمالات التدخل الى محلي بري، تبقى معه الامور في كرّ وفرّ، وتدخل جوي قليل المنفعة وميّال الى الفتور مع مرور الوقت!
تريد بقاء «داعش» لأطول فترة ممكنة: ابقِ على نظام آل الأسد. ابداً ليست داعش مجرّد صنيعة لهذا النظام كما يساق تبسيطاً. لكنه بكل بساطة، وطالما هو موجود، وطالما «المسألة السنية» موجودة بهذا النمط في العراق وسوريا، فإن أمام تنظيم «الدولة» أياماً طويلة.
التدخل اللابري لم يؤثر كثيراً على قنوات الامداد المالي والبشري للتنظيم. زاده همجية طبعاً. العجز عن تقويض اركانه ترتب عليها سيطرة صارت تتمدد في الزمان ويصير المكان سجالاً بالنسبة لها: تخسر في تكريت وتربح في الانبار، تربح في تدمر وتخسر في سنجار، في حين ان التدخلات الجوية تراكم فوق بعضها بعضاً دون جدوى، والدعوات الحالية لـ«توحيد العمل» روسياً وغربياً ضد داعش، طالما لم يطرق باب التدخل البري، ولم يربط العملية السياسية حول سوريا بمنطق هذا التدخل، ولم يهتد الى ان تنحي بشار الأسد هو «ضرورة لوجستية» لمواجهة «داعش» فإنّه لا يمكن التفاؤل بمكافحة فعالة لإرهاب تنظيم «الدولة».