صار جلياً، أنّ العماد ميشال عون لن يطلق صفارة إنذار تنظيم «التيار الوطني الحر» لعبور معمودية الانتخابات الداخلية، قبل أن يضمن وصول جبران باسيل الى رأس الهرم البرتقالي.. «ملكاً»، من دون منازع.
فهو لم يتأخر كثيراً في تغيير وجه قيادة «التيار» مع ولادته الثانية، من خلال بتّ تعديلات «انقلابية» حوّلت النظام الداخلي من صيغة ائتلافية الى صيغة تفردية تقوم على آحادية القرار، ألحقت بالنسخة الاولى التي سلمت الى وزارة الداخلية، بغية إعادة «قولبتها» وفق مقتضيات الجناح الرافض «للصيغة الأم»، أي باسيل.
إذ بينما يخوض الجنرال معركة الحقوق المسيحية والشراكة في السلطة مع بقية المكونات اللبنانية، سيخرج من يسائله عن مفهوم هذه الشراكة في قلب بيته البرتقالي، إذا كانت الخاتمة – البداية لتجربة السنوات العشر لمأسسة «التيار الوطني الحر»، انتهت بإنتاج قيادة «القرار الواحد».
بعد مشاورات ماراتونية يفترض أنّها أثمرت صيغة توافقية كفيلة بحماية التنظيم العوني في أولى دعساته المؤسساتية من خلال التكافل والتضامن بين مكوناته، يبدو أنّ الخلاف عاد الى مربع البداية، بعدما جرى نسف الصيغة الأولى، وتغييرها من جذورها.
فبسرعة البرق، عرضت التعديلات الجديدة على اللجنة التنفيذية التي جرى استدعاؤها يوم الاثنين الى الرابية للبصم على الورقة، على اعتبار أنّ هذه الهيئة هي الهيكلية الوحيدة القائمة في الحزب على مستوى القيادة، وهي تضم مسؤولي اللجان المركزية، وسبق أن وضعت توقيعها على الصيغة الاولى للنظام.
الا أنّ بين الجولتين فارقا جوهريا، ذلك لأن الورقة الأولى خرجت من صالون الجنرال بتوافق المشاركين في الاجتماع، مع أنّ البعض يقول إنّ باسيل لم يمنح بركته لها، فيما الثانية غيّبت الفريق المعارض، وأهملت رأيه. لا بل أنّ بعض هؤلاء يعتبرون أنّ كل ما يحصل اليوم هو «قصقصة» نظام داخلي على قياس شخص واحد.
وُقعت التعديلات من جديد، وتركزت الصيغة الجديدة على دور المكتب السياسي، في صلاحياته وفي آلية تكوينه، وهو الأمر الذي كان يشتكي منه باسيل خلال الفترة الماضية، ويرفض قبوله.
وبالفعل، أرسلت نسخة النظام الجديد المنقح، يوم أمس، الى وزارة الداخلية ليحلّ محل النظام الأول، ما يفتح الباب أمام اجتهادين قانونيين: الأول يقول إن هذا الإجراء يمكن السير به من دون التوقيع عليه من جانب المسؤولين المختصين في الوزارة ليصير ساري المفعول، كونه لا يحتاج الى توقيع وزير الداخلية الذي يقتصر على العلم والخبر.
ولكن ثمة وجهة نظر قانونية تقول إنّ النظام الداخلي يصبح ساري المفعول من لحظة ايداع العلم والخبر والتوقيع عليه من جانب وزير الداخلية، حتى على وزارة الداخلية. وبالتالي إنّ التعديل لا يمكن أن يحصل الا وفق الآلية التي ينصّ عليها النظام الداخلي الذي يحصر صلاحية تعديل النظام بالمجلس الوطني.
وبالتالي على الوزارة رفض استلام أي تعديل وتعليل ذلك بأنّ أي تعديل يجب أن يأتي وفقاً للآلية الموجودة في النظام الأخير. وحتى لو أن المجلس الوطني لم يتشكل، فإنه يجب تشكيله وفقاً للنظام الساري المفعول ومن ثم تعديل النظام وفقاً للآلية المنصوص عليها.
وبناء عليه، فإنّ هذا التباين في وجهات النظر، قد يعرض التعديلات المقترحة للطعن لأنها ستصبح موضع تجاذب قانوني.
إذاً، وقع الخلاف بسبب آلية اتخاذ القرار في «التيار» وصارت التعديلات على هذا الأساس، فتركزت على المكتب السياسي الذي جرى الاستغناء عنه لصالح هيئتين قياديتين: هيئة سياسية ومجلس سياسي.
تكون مهمة الأولى النظر في القضايا الوطنية والسياسات العليا، كما يقول أحد العونيين، وهي تضم 12 عضواً، ستة منتخبون وستة معينون من جانب الرئيس الذي يرأس أيضاً هذه الهيئة.
أما الثانية فهي بمثابة حكومة مصغرة يرأسها رئيس الحزب أيضاً. وتوكل اليها مهمة النظر في كل القضايا اليومية الحياتية، ومن بينها على سبيل المثال اختيار الوزراء ومرشحي «التيار» للانتخابات النيابية، وهي كانت واحدة من النقاط الخلافية.
بالنتيجة، المطلوب نظام رئاسي يبقي السلطة بيد رئيس الحزب، حتى لو أعطيت الهيئة السياسية حق التقرير في القضايا الوطنية، فهذا لا يروي عطش المطالبين برفع منسوب الديموقراطية في القيادة.
إذ بعد الانطلاق من محطة التعديلات، حتى لو كانت مرفوضة من جانب فريق كبير من المعترضين، ستكون المرحلة الثانية الدعوة لمؤتمر عام او لقاء موسع يهدف لشرح النظام الداخلي، لا بل لمنحه غطاء شرعياً، على أن تكون المرحلة الثالثة الاستحقاق الرئاسي، حيث سيصار الى اجراء انتخابات لاختيار الرئيس – الخلف للجنرال. وفي المحطة الأخيرة سيصار الى اجراء الانتخابات المناطقية لتشكيل المجلس الوطني ومن بعدها يتم انتخاب أعضاء الهيئة السياسية.
ولكن استكمال هذا المسار دونه عقبات كثيرة، ستزيد من حدة الخلاف، ولن تساعد أبداً على لحمه…