يبدو اليوم ان الحسابات التي تمّ عرضها على الرئيس الأميركي ترامب قبل اتخاذ موقفه وقراره في قضية القدس، لم تكن خاطئة. ومنها ان غالبية ساحقة من الأنظمة العربية تهتز من تلقائها الآن، ومن كان صامدا منها في السابق، ساهمت الاستراتيجية الأميركية في خلخلة أساساته من الجذور، وصولا الى هذا اليوم الذي أصبحت فيه تلك الأنظمة تهتز من تلقاء نفسها! ومنها أيضا، ان الأنظمة العربية والاسلامية بصفة عامة لم تعد حتى ظاهرة صوتية، حين كانوا يزايدون في العلن على تبني قضية فلسطين، ويزعمون انها قضيتهم الأولى، بينما كانوا في السرّ يمتثلون لاملاءات السفراء والقناصل حول قضية فلسطين وشعبها وأرضها! وأكثر من ذلك، فقد تضمّنت الحسابات الصهيونية المرفوعة الى ترامب ان تلك الأنظمة العربية والاسلامية اكتسبت طبيعة القطط التي تحبّ خنّاقها، وكلما ازدادت أميركا في إذلالها، ازدادت تلك الأنظمة تعلقا وحبا بأميركا وخنّاقها ساكن البيت الأبيض!
***
أثبتت تلك الحسابات صحتها حتى الآن. وجاء رد الفعل من الأنظمة العربية على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأميركية اليها، ردّا باهتا وخافتا بل ومؤيدا في المضمون لهذه الخطوة التي تنحر كرامة الأمة وتاريخها. وبدا بعض تلك الأنظمة – على العكس – مستعجلا للاسراع في تصفية القضية الفلسطينية من أساسها، واراحة العرب والمسلمين المقصود انظمتهم من هذا الهمّ الذي أثقل قلوبهم على مدى عقود طويلة من الزمن! والأدهى من كل ذلك ان بعض تلك الأنظمة تعهّد ليس فقط الوقوف على الحياد في حال شنّ اسرائيل أية حرب جديدة على أي طرف عربي آخر، وانما أيضا المساهمة والمشاركة في تلك الحرب الى جانب اسرائيل، سرّا أو علنا! ولعل هذا الواقع هو الذي دفع بالرئيس ترامب في زيادة جرعة الإذلال للأنظمة العربية والاسلامية، ولشعوبها ولقيمها وتاريخها، بتسريع نقل السفارة الأميركية الى القدس بتاريخ يسمّيه الاسرائيليون عيد الاستقلال، بينما كان يسمّيه العرب والمسلمون ذكرى النكبة!
***
قال ترامب كلمته للأنظمة العربية والاسلامية… وبقي أن تقول الشعوب العربية والاسلامية كلمتها لأميركا واسرائيل!