IMLebanon

طاولة عين التينة وورَقةُ التين

سلَّةُ حوارٍ كاملة حملوها بالأعناق الى عين التينة، لتعبئتها بالشهيّات من لذائذ الأثمار والفاكهة، إلّا أنهم وبعد ثلاثة أيام من الثرثرة، عادوا من عين التينة وليس في السلَّة ثمرة تين واحدة، ولا حبّة ناضجة من الفاكهة، حتى ولا بصَلَة.

حملوا في السلال ما نضج من الغلال حتى الإهتراء: الرئاسات والوزارات والإنتخابات والتعيينات والنفايات، وكلّ ما هو على صيغة جمع المؤنث السالم، وفي ظلّ غياب المذكر… والمذكر السالم، كانت السلال الكاملة شبيهة بسلّة الساحر الذي يوهمك بأنه ينتشل منها ما هو من غيرها.

فشلوا في مواجهة الملحِّ من الضرورات فانتقلوا الى المعقَّد من التعجيزات: مجلس شيوخ قبل إجراء إنتخابات خارج القيد الطائفي وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وهما متلازمان في الدستور، وهكذا، مثلما كان وأْدُ الفتاة حيَّةً في الجاهلية يكون دفن المشاريع الحية في جاهلية اللجان، ويكون تطبيق الدستور بمخالفة الدستور.

هؤلاء الذين جمعتهم «الطاولة الوطنية» يحق لهم ما لا يحق لغيرهم، ليس لأنهم شعراء، بل لأنهم فلاسفة النظام، وأقطاب الصف الأول في الدولة والسلطة، بهم المُلْكُ والقوة والمجد، فلا رئاسة إلَّا هُمْ ولا من يرئسون، ولا حكومة ولا من يحكمون، ولا مجلس ولا من يجلسون، هم الدولة والدولة هم، وهم الدولة واللاَّدولة.

بين سلطة النظام وسلطة الفلسفة كان الناس في العصر الفلسفي المتنور يربطون شؤونهم بنظرية الفلاسفة لا بأحكام الأنظمة، هكذا كان في عهد أفلاطون والفارابي والكندي وكونفوشيوس وإبن سينا ونيكولاوس، في ما هو انخراط بمنظومة الفلسفة والرياضيات والمنطق والعلوم والفلك والموسيقى والفيزياء… مع مجموع هؤلاء من أقطاب الصف الأول، لا يعود من ضرورة الى حكم وحكّام ودستور ونظام.

الصف الأول حسب المفهوم الوطني هو الذي يتفوق بالمعرفة وصلابة الإيمان، وهو الذي يحسن الإلمام بأدوات الشرط في النحو، فلا يخضع للشروط التي تفرض من الخارج.

الطاولة الوطنية أو المائدة، حتى ولو كانت كتلك التي أُنزلتْ على عيسى، ان لم يتحلَّق حولها رسل، فقد تؤدي الى الجلجلة، هكذا غمس المسيح اللقمة في العشاء وخصّ بها يهوذا.

وسورة المائدة في القرآن تقول لكم «تعاونوا على البّر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان… وطعامُ الذين أوتوا الكتابَ حِلٌّ لكمْ وطعامُكُمْ حِـلٌّ لهم..».

الذين عادوا من عين التينة عراةً تذكّرهم أيضاً «سورة التين» القرآنية: «خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل السافلين…» ويذكِّرهم الكتاب

المقدس بأنَّ المسيح لعَنَ شجرة التين تلك التي ترمز الى حالة الرياء، وبأوراقها كان التستُّر الكاذب لآدم وحواء من العُرْيِ والعورات.

نعم… إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا… ولكن ليس بأوراق التين.