الجملة التي تتصدّر الصحف والوسائل الاعلامية الاخرى، هي التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورددّها من بعده جميع النواب والوزراء والسياسيين الراغبين بتأخير تسريح العماد جان قهوجي، وتمديد تعيينه قائداً للجيش لمدة سنة واحدة اعتباراً من نهاية شهر ايلول المقبل.
هذه الجملة التي اطلقها برّي تقول «ممنوع المسّ بالجيش». وهذا في الحقيقة موقف وطني سليم من برّي تجاه مؤسسة وطنية تحمي بارواح جنودها ودمائهم وتضحياتهم ما تبقى من هذا الوطن المشلّع، وتصون وحدته بانتظار ان يعود اهل السياسة الى عقولهم ووطنيتهم ويتفقوا على انتخاب رئيس للجمهورية بعيداً من المصالح الشخصية، والحسابات الطائفية والمذهبي، وللعماد قهوجي، بصفته قائداً لهذه المؤسسة، دور كبير، لعبه وما يزال، بابعاد الجيش عن التوترات السياسية والطائفية، وتركيز الهمّ على مواجهة الارهاب والاجرام والطامعين بلبنان وطناً بديلاً، او تابعاً لدولة ما. ولكن المستغرب ان المنادين بان الجيش خط احمر، والمسّ به ممنوع، يمسّون الدستور والقوانين والاستحقاقات كل يوم تقريباً، ولا يوفرّون بمسّهم اتفاق الطائف، ومؤسسة القضاء، والمال العام، وصيغة العيش المشترك، وارواح الناس وممتلكاتهم، وصحتهم وحقوقهم وحاجاتهم، واذا كان الجيش بسمنة، وهذا ما يجب ان يكون عليه، فلماذا لا تكون جميع مقوّمات الدولة مثله، بدلاً من ان تكون بزيت، ومنتهية الصلاحية ايضاً؟
اذا كانت الحكومة لا تجد بين الضباط في هذه الفترة، ضابطاً يستطيع ان يكون قائداً للجيش ويملأ فراغ العماد قهوجي، فيجب على الجميع، دون حساسية او خوف ان يمددوا سنة اضافية لقائد الجيش.
واذا كان هناك ضباط مؤهلون وقادرون ويستحقون ان يكونوا قواداً ناجحين للجيش، فعلى الحكومة ان تختار افضلهم وتعيّنه في هذا المركز الحسّاس دون معارضة من احد، وما ينطبق على قيادة الجيش، ينطبق على جميع المناصب الاساسية في هذه المؤسسة والمؤسسات الأمنية الأخرى، ونترك للدستور والقوانين المرعية الاجراء ان تفصل في هذه الامور، وليس للوزراء والنواب وحتى لرؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة، ولسياسيين لا علاقة لهم بهذه القضايا او غيرها، وهذا ما يحصل في جميع دول العالم التي تحترم القوانين والدساتير وشعوبها.
منذ انتخابات العام 2009، اي منذ سبع سنوات ونيّف، يعجز نواب «الامّة» عن الاتفاق على قانون للانتخابات، ويهربون من عجزهم، الى التمديد غير الدستوري لذواتهم، مدّة اربع سنوات كاملة غير شرعية، مكافأة لهم على عجزهم، والامر ذاته يتكرر في مجلس الوزراء، فالعجز عن بتّ القضايا المهمّة التي لها علاقة بالناس وبتسيير اعمال الدولة، مصيره الادراج، او التمديد الاعمى غير المعلّل وغير المفهوم.
****
على بعد كيلومترات قليلة منّا، نار المدافع والقاذفات والبراميل والمتفجرات، غرقت اجساد الاطفال والنساء والشيوخ، وتقتل المسلّح والجندي والمدني على السواء، ونحن عشنا هذه الحالة مدة طويلة ونعرف نتائجها الرهيبة على البشر والحجر، الم يحن الوقت بعد لندرك مدى سرعة انتقال النار عبر الحدود، ليتكلم الجميع لغة لبنانية واحدة، عن كيف نحمي بلادنا وشعبنا، ام ان لعنة بابل ضربت اهل الحكم والسياسيين، وجعلتهم يتكلمون لغات غريبة، ولا أحد يفهم على الآخر، او يتعمّد الاّ يفهم الآخر عليه؟!