تيار المستقبل وحزب الله يتنقلان بين مونولوغ المنابر وديالوغ الغرف المغلقة كأن المسارين منفصلان. ولكل مسار وظيفة في خدمة هدف: واحد استراتيجي وآخر تاكتيكي. فلا سجال المنابر يوقف حوار الغرف. ولا حوار عين التينة يؤثر في المواقف على المنابر. لكن المواضيع الأساسية المؤثرة في مصير لبنان متروكة لخطاب المنابر. فهذه هي القاعدة في أوقات التصلب كما في أيام المرونة. وهذا ما تكرر مؤخراً بالطبع في خطاب الرئيس سعد الحريري في الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وفي خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء عباس الموسوي وراغب حرب وعماد مغنية.
ذلك ان الرؤى مختلفة حتى بالنسبة الى تأييد السيد نصرالله لدعوة الرئيس الحريري الى وضع استراتيجية وطنية لمحاربة الارهاب. فالحريري يريد العمل ضمن حدود لبنان الذي ليس في المحور الايراني ولا في أي محور، ويطالب حزب الله بالانسحاب من سوريا، ويعرف الحاجة الى التحالف الدولي الذي تقوده أميركا للحرب على داعش. والسيد نصرالله يطالب الجميع بالمشاركة مثل حزب الله في حرب سوريا، ويرى ان النأي بالنفس غير واقعي، على أساس ان لبنان عملياً جزء من المحور الايراني الذي يقول الآن ان اللعبة انتهت في سوريا. ويتولى مهمة الحرب على داعش متهماً اميركا بدعم التنظيم الارهابي التكفيري أو أقله باللارغبة في القضاء عليه. وهو يضع اللعبة في اطار جيوسياسي واستراتيجي واسع بالقول من يريد ان يقرر مصير لبنان يجب ان يكون حاضراً في مصير المنطقة، ومصير دول المنطقة يصنع اليوم في المنطقة، لا بل ان مصير العالم يصنع في المنطقة.
ولا مجال للخطأ في قراءة هذا الكلام، بصرف النظر عن المبالغة التي هي جزء من الحرب. فالرسالة موجهة الى عناوين عدة في لبنان والمنطقة، وخلاصتها ان المحور الايراني هو الغالب. ولا يبدل في الأمر كون المعارك التي يخوضها المحور الايراني في سوريا ليست مركزة على داعش في الرقة عاصمة الخلافة الداعشية ودير الزور وريف حلب.
أما الحوار، فإنه لا يزال حول تنفيس الاحتقان المذهبي، ولكن من دون ازالة أسبابه أو حتى البحث فيها لأنها متصلة بالمواضيع الخلافية الكبيرة والموضوعة خارج جدول الأعمال. ومن المهم حرص الطرفين على مديح الحوار والاستمرار فيه. لكن الأهم هو معالجة الأسباب بدءاً من التسليم بأن الصراع السياسي، لا الخلاف الديني، هو الطاغي على المسألة. وحين يكون الصراع السياسي بين المحاور لعبة واحدة ممتدة من لبنان الى اليمن، فان تنفيس الاحتقان المذهبي يصبح مهمة صعبة أو أقله يحتاج الى ما يتجاوز أي دواء في الصيدلية اللبنانية.