IMLebanon

تكتيكان «هجومي» و«دفاعي» في الانتخابات البلدية

يمكن القول بشكل اجمالي، ان القوى الأساسية على الساحات الإسلامية الثلاث، السنية والشيعية والدرزية، تعاطت مع الإستحقاق البلدي، «دفاعياً«. كلّ في سياقه وظروفه وأسلوبه وقدراته بالطبع، انما، تبعاً لقاعدة حساب مشتركة أو تكتيك من نوع: «علينا أن نخرج من الإستحقاق بأدنى خسائر جانبية ممكنة«. في ظلّ كل عناصر الركود، الاقتصادية منها والسياسية، وكل أسباب الهشاشة بما فيها تجربة السنوات الماضية من العمل البلديّ التي لم تراجع بشكل جدي بعد، لم يكن لدى أي من القوى الأساسية على الساحات الاسلامية الثلاث، وأياً كانت درجة الخصومة بين الواحدة والأخرى، أوهام كبيرة حول الاستحقاق: فلم تتعاط معه كمناسبة تراهن فيها على اتساع نفوذها حيث لها نفوذ، انما صبّت جل اهتمامها، وعملها التشكيلي للوائح، والمساومات المطلوبة لذلك، ومجهودها التنسيقي والتعبوي والدعائي، لأجل الحدّ قدر المستطاع من التراجع «الجانبي« لهذا النفوذ حيث هو قائم. بالطبع، لم يكن كل هذا الحساب عقلانياً، وبدت على هذه القوى أمارات القلق، لكن نفوذها لم يكن مهدّداً بشكل عميق، رغم الطابع المحموم المعطى للمعارك البلدية كتحديات «مصيرية« و«وجودية«، ورغم «تقادم« المادة الدعائية المستخدمة قياساً على الموجة «المدنية« حسنة التوضيب والاخراج، وكل هذا ترجم استقطاباً صاخباً في بيروت بين اللائحتين المتنافستين، دون أن ينجح في رفع نسبة الإقتراع. 

أما في جبل لبنان، وخصوصاً مناطقه المسيحية، فقد أقبلت الهيئة الناخبة على الاستحقاق بشهية لافتة. بعض من هذه الشهية يجد تفسيره في «التعاطي الهجومي« مع الاستحقاق لدى «التيار العوني« و«القواتيين«. الدفاعي هنا ليس حكم قيمة. انما المقصود التعاطي مع الاستحقاق كمناسبة يتوقع فيها اظهار اتساع رقعة المد الشعبي، الاستفتائي، للمصالحة التحالفية العونية – القواتية، وتثبيت مرجعيتها من الآن فصاعداً في «تجسيد المسيحيين«. طبعاً، حسابات الانتخابات البلدية مختلفة عن حسابات الانتخابات النيابية، وهذه مختلفة تبعاً لقانون الانتخاب قبل كل شيء، ولتوقيت الاحتكام للصناديق كذلك الأمر. لكن من اختار التعامل مع الانتخابات البلدية كما لو كانت نيابية هي معظم القوى السياسية اللبنانية، وبشكل أكبر القوى التي خاضته كاستحقاق هجومي، لا تقتصر فيه على طلب «أقل الخسائر الممكنة«، بل تتجاوز ذلك بأشواط، لطلب «أوسع الفتوحات الانتخابية الممكنة«، كما لو كانت بمنأى عن شظايا الركود الاقتصادي والسياسي العام، وتعبّر عن حيوية مجتمعية صاعدة وكاسحة. 

كان بمستطاع «القوات« و«التيار« الاقتباس عن الأطراف الاسلامية، والتعامل مع الاستحقاق من منطلق «تقليص الخسائر فيه«، ومن ثم «تقليص الجبهة« حيث يمكنها أن تقلّص، لصالح مواءمة أكبر مع «مجتمع الأعيان في جبل لبنان«، وحسابات العائلات والزعامات المناطقية و«التقليدية«، لكنها أخطأت التقدير، فعرّضت «المصالحة التحالفية« بين «التيار« و«القوات« لاهتزازين لا واحد: اهتزاز لناحية أنّ التحالف لم يكن بالجهوزية الكافية لخوض الانتخابات معاً، بشكل واضح ومتوازن بين طرفيه في الدوائر المسيحية الأكبر (جبيل، جونية، بكفيا، بلدات ساحل المتن الشمالي وكذلك الجنوبي). والاهتزاز الموازي لناحية أن التحالف لم يتمكّن من صناعة «تسونامي بلدياتي«، وهذا لا يعني أنه لو كانت الانتخابات نيابية لحصل الأمر نفسه، فهذا يتوقف على وقت حصول الانتخابات وقانونها. لكنه يعني أيضاً ان «حلف معراب« كشف في تسرّعه الهجومي، مواطن ضعف كان يمكن أن يؤجل كشفها وأن يعالجها شيئاً بعد شيء وراء الأضواء. 

هذا التسرّع أفضى الى التعامل مع الانتخابات البلدية كمناسبة هجومية، ثم الى العودة لخانة «الدفاعية« من البوابة الكاريكاتورية، كمثل المفارقة العونية، مع اعتبار معركة انتخابية في جونية، وبوجه لائحة تدعمها ضمنياً القوات، معركة دفاعية عن الأمن المسيحي، وهذا في دائرة مارونية صرف، قلما تجد فيها ناخباً من الروم الأرثوذكس حتى!! 

لكن المفارقة الأساسية مسيحياً ليست هنا. هي في كون الثنائية العونية – القواتية ما بين بين، بين المصالحة والتحالف. المصالحة إنهاء لخصومة، ليست بالضرورة، او تلقائياً إبراماً لتحالف. لكن اعلان معراب جمع بين بعض سمات المصالحة وبعض سمات التحالف، وهذا مبرّر طبعاً كمسار انتقالي، كمسار يمكنه ان يؤدي الى تحالف، لكن هذا التحالف له شروطه غير المنجزة بعد. وبشكل أساسي، استمرار حلف «التيار العوني« مع النظام السوري و«حزب الله« يجعل «المصالحة التحالفية« مأزقية بامتياز بينه وبين «القوات«. «القوات« هي حالياً أبعد من حلفائها «الاستراتيجيين«، مما هو العماد عون من حلفائه الاستراتيجيين، وهذا ليس بتفصيل. خجولة الاشارات التي توحي بمسار تفلتي لعون وتياره من «حزب الله«. 

«حلف معراب« أمام تحد جدي يفرضه تسرّعه في اعتماد «الهجومية« في الاستحقاق البلدي مع انه لم يكن بحاجة اليها. هذا التحدي يتصل أيضاً بالإجابة عن سؤال «ما الذي يريد هذا الحلف احياءه بالتحديد؟«، اذا كان ما يطمح اليه هو احياء «الجبهة اللبنانية«، لتفعيل نضاله من أجل المشاركة الكاملة، يفترض حينها أن لا يبقى أسير الثنائية، وأن يسعى للعمل التأسيسي الجبهوي مع «الكتائب« و«الأحرار« وأطر عديدة في الاجتماع المسيحي ترى هي أيضاً أن المشاركة مختلة حالياً وينبغي تقويمها.