Site icon IMLebanon

لا تتطاولوا… تفاوضوا

 

 

نأسف لِما رافق من لغط تزامنًا مع عظات غبطة بطريرك الموارنة بطريرك أعطيَّ له مجد لبنان. منهم من رحّبَ بالفكرة ومنهم من إستشاط غضبًا وخوّن وهدّد وأعطى أعذاراً واهية، لا تمُّتْ إلى الواقع بأي صلة. وعلى ما يبدو يهدف من خلال مواقفه هذه، التعمية على موضوع الحياد، الذي هو وبعد فترة من الإجتماعات والتواصل مع المجتمع الدولي، المدخل الأساس لحل بعض المعضلات في لبنان، وأهمّها معضلة السيادة المفقودة والمهملة من قِبل أكبر المراجع السياسية في لبنان. فوفق علم السياسة، إنّ إزدياد عدد مصالح الدول وتشابك علاقاتها وتعقيد بعض الأمور، أدّت إلى أنْ يصبح القانون الدولي حاجة جد مُلِّحة لتنظيم علاقات هذه الدول بعضها مع بعض في حالات الصراع – التعاون – التنسيق. ويذكر علم السياسة، أنّ إختلاف مصالح الدول مع بعضها يفرض الضغوط الشديدة على المجتمع الدولي لتحديد ماهية توافقية لكثير من المفاهيم والمبادئ والحقوق التي تتحكّم بسيرورة كل دولة. وأيضًا وفق علم السياسة، إنّ مفهوم الحياد هو أحد هذه المفاهيم المتبعة، وهذه منظومة إعتمدتها مختلف الدول في فترات المصائب والحروب وسوء العلاقات في ما بينها .

 

لِمَن فاتهم مفهوم الحياد نذّكرهم، أنّ علم السياسة يُعرّف الحياد الدولي على أنّه إلتزام تقطعه الدولة على نفسها بعدم التدخّل في الشؤون الإقليمية والدولية، إذا كان هذا التدخّل يفضي إلى إستخدام القوة المُسلّحة. ويُلزم الحياد الحفاظ على مركز قانوني محدّد، يفرده القانون الدولي للدول التي تمارس هذا الحق. وعندئذ، تتمتّع هذه الدول بمجموعة من الحقوق، وتُلقى على عاتقها مجموعة من الواجبات ناشئة عن هذا الإلتزام، وينتهي هذا الإلتزام بإنتهاء حالة الحياد. ونظريًا، إنّ الوضع القائم في لبنان يدحض ما يوجبه علم السياسة. إذ نلاحظ حركة عسكرية خارجة عن إطارها القانوني المألوف والمُخالف للقوانين الدولية وللدستور اللبناني ولقانون الدفاع الوطني، تُقحم لبنان بمؤسساته المدنية والعسكرية وشعبه، بحروب لا طائلة له على تحمُّلها. والأعذار الحالية بتبرير هذا السلاح والمخالفات الدستورية الحاصلة غير مقبولة ولا تُصرف في أي مكان .

 

كما أشير دائمًا وأستند إلى العلم السياسي، إنّ الدولة المحايدة هي الصفة القانونية لبلد ما يمتنع عن المشاركة في أي حرب أو نزاع بين البلدان الأخرى، ويلتزم مسافة واحدة من جميع الأطراف المتنازعة، مع ضرورة إعتراف الدول الأخرى بنزاهة وحيادية ذلك البلد. والمطلوب اليوم حياد لبنان عن المحاور وعن صراعات الآخرين. ويكفي أن نتذكر إتفاقية القاهرة الموّقعة في العام 1969 و»فتح لاند» في منطقة العرقوب والمدّ الفلسطيني على كامل الأراضي اللبنانية والتدخّل الفلسطيني في أمور الدولة اللبنانية، وعدا عن ذلك الإنقسام اللبناني العامودي بين من كان يؤيّد ياسر عرفات صُوّريًا ليستغّل نُبل القضية الفلسطينية وإستعمالها شمّاعة، وكانت أهدافه الوصول إلى النظام … وعلينا ألاّ ننسى مواقف العميد ريمون إده الرؤيوية، وهو الذي لم يتوانَ عن معارضة إتفاقية القاهرة، وهذا الأمر إعتبره العميد إنتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية وجرًا مرفوضًا إلى آتون المواجهة الدموية مع الفلسطينيين … وكيف لنا أن ننسى مواقفه في بدايات حرب الآخرين على أرضنا، عندما طالب بإرسال قوات الأمم المتحدة إلى لبنان لضبط الحدود الجنوبية.

 

من كل هذه المعطيات، علينا أن نستشف ونتعظ من تلك الأخطار المتأتية من تدخّل «حزب الله» في خصوصيات بعض الدول، تنفيذًا لمصالح إيران في المنطقة، ويجب أن نستخلص العِبر ممّا سبق.

لمن يُقدّمون الأعذار الواهية التي تتزامن مع مطالبة صاحب الغبطة بالحياد، هي كذبة رقصت على لسان قائليها ولم يُطرب لها قلب سامعها … نحن في زمن أصبحت فيه الثرثرة السياسية السمة الطاغية، أكانت ثرثرة مكتوبة أو تصريحاً على باب الصرح … وما علينا سوى الإصغاء إلى صوت العقل، وهو بمثابة المهارة التي لا يمتلكها هؤلاء إلاّ نحن المناضلين الشرفاء … أتحفونا بقضية النازحين السوريين وبقضية اللاجئين الفلسطينيين وبتعدّي العدو على السيادة الوطنية… سأغتنم الفرصة لأسأل، وبصيغة الإستفسار قبل إحالة الأمر إلى الجهات الدولية ليُبنى على الشيء مقتضاه: يا أيّها السياسيّون أين أنتم من تطبيق الدستور في الأبواب التالية: مقدمته – الفصل الثاني في اللبنانيين وحقوقهم – الفصل الأول أحكام عامة – الفصل الثاني السلطة المشترعة – الفصل الثالث أحكام عامة – الفصل الرابع السلطات الإجرائية – قانون الأحزاب والجمعيات – قانون الدفاع الوطني؟ ماذا طبّقتم ممّا ورد من نصوص في ما أوردت؟ ومن يتحمّل مسؤولية خرق الدستور وخرق السيادة الوطنية، وتجيير أرض لبنان للغريب؟

 

لسنا بحاجة إلى دروس في الوطنية، لسنا بحاجة إلى أناس فشلوا في إدارة إدارات الدولة، لسنا بحاجة إلى أناس سرقوا ونهبوا الخزينة العامة، لسنا بحاجة إلى ميليشيات تدّعي الحرص على الدولة وهي ضمنيًا أسيرة أحلافها ومجرد دمى في أيدي الغرباء … إنتم مُطالبون بأمرين: الأول الإنصياع ومفاوضة غبطة السيّد البطريرك، والثاني إنهاء خدماتكم وتجارتكم السياسية وإنتظار القضاء.