Site icon IMLebanon

“محاضر الطائف الحية”: لا حصر أو حظر وزارياً لأي طائفة

 

مع تمسُّك «الثنائي الشيعي» بوزارة المال، وبالتالي بالتوقيع الثالث على المراسيم الى جانب توقيعَي رئيسَي الجمهورية والحكومة، إثباتاً لدور شيعي مواز للدورين المسيحي ـ الماروني والسني في السلطة التنفيذية، عاد الحديث الى «اتفاق الطائف» وما يُحكى عن أعراف أرساها، خصوصاً أنّ «حزب الله» وحركة «أمل» يعتبران أنّ «اتفاق الطائف» كرّس وزارة المال للطائفة الشيعية عُرفاً.

تُظهر مراجعة تركيبة كلّ من الحكومات المتعاقبة منذ بداية تسعينات القرن الماضي، أنّ غالبية الوزراء الذين تسلّموا حقيبة وزارة المال لم يكونوا شيعة أو من حصة «الثنائي الشيعي»، ما يُسقط نظرية أنّ «اتفاق الطائف» خصّص هذه الوزارة للطائفة الشيعية، إلّا أنّ هذا الثنائي يصرّ على تولّيه وزارة المال، وهذا ما أكدته كتلة «الوفاء للمقاومة» في بيان أمس.

 

بعد إبرام «اتفاق الطائف» وترجمته تعديلات دستورية، وعدم نشر المحاضر التي توثّق المداولات التي جرت في مؤتمر النواب اللبنانيين الذي انعقد في مدينة الطائف السعودية عام 1989، شكّل 15 نائباً من الذين شاركوا في هذا المؤتمر وصاغوا نص الإتفاق، «لقاء الوثيقة والدستور»، الذي كان يجتمع في مكتب أو منزل النائب والوزير السابق المرجع الدستوري إدمون رزق، أحد أبرز من شاركوا في صَوغ هذا الإتفاق. واعتُبر هذا اللقاء «المحاضر الحية» لـ«اتفاق الطائف»، ودأب على إصدار بيانات، يقيس فيها كلّ الإشكالات على نصوص «اتفاق الطائف» وروحيته.

 

ويقول رزق الذي كان عضواً في لجنة صوغ الإتفاق، التي سمّيت يومها «لجنة العتّالة»، وشارك في كلّ الجلسات التي كانت تجري إمّا في اللجنة أو في الهيئة العامة، لـ»الجمهورية»: «يخرجون الآن باتفاقات وطروحات غير موجودة، لا في وثيقة الوفاق الوطني ولا في المحاضر». ويؤكد أنّ «تخصيص وزارة المال للشيعة غير موجود لا في المحاضر ولا في غيرها، ولم يُتّخذ أي قرار أو موقف أو يحصل جدل حتى أو حوار حول هذا الموضوع، الذي لم يُطرح في أي جلسة».

 

ويوضح رزق أنّ «اجتماعات الطائف نَتج منها الوثيقة والتعديلات الدستورية بموجب هذه الوثيقة، وأقرّت كما هي في مجلسي النواب والوزراء. وبالتالي تضمّن الدستور اللبناني الأحكام المستجدة بموجب اتفاق الطائف». ويشرح أنّ «اتفاق الطائف» لم يتضمّن أي حظر على أي طائفة لتولّي أي وزارة، كذلك لم يحصر أي حقيبة وزارية بأي طائفة، بل نصّ على عكس ذلك، وبوضوح، في المادة 95 من الدستور، التي تقول: «لا تُخصّص أي وظيفة لأي طائفة. وإنّ الوزارة بمفهوم الدستور هي وظيفة». ويرى رزق أنّ كل الحديث الجاري الآن ليس سوى جدل بيزنطي، وبدلاً من التحجّج بأي حديث أو اجتماع جرى أو لم يجرِ في «الطائف»، يجب الرد على أي ادّعاء بحق منبثق من «الطائف»، بسؤال: أين النص الذي يقول ذلك؟ هل هو في الدستور أو في وثيقة الوفاق؟ فما يحسم الموضوع هو نص الوثيقة وما أُخذ من هذه الوثيقة لتعديل الدستور بموجبها. وكلّ كلام آخر هو لَغو».

 

ويشدّد رزق على أنّ «المادة 95 تحسم كلّ الجدل»، مشيراً الى أنّ «التوجّه في الطائف كان العبور من الطائفية الى المواطنة. فلا حصرية لأي طائفة في أي وزارة، ولا حَظر لأي وزارة عن أي طائفة، إذ إنّ التخصيص أو الحصر يتناقض مع روح «اتفاق الطائف»، لأنّه حَمَل توجّه تخطّي الطائفية بدليل ما ورد في المادة 95 من الدستور، خصوصاً في الفقرة الثانية منها، وتقول: «تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويُعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة، وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، وتكون هذه الوظائف مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة».

 

ويرى رزق أنّ «هناك توجّهاً الآن مناقضاً لتوجّه «اتفاق الطائف» وروحيته، أي العلمنة المؤمنة وإلغاء الطائفية السياسية عبر إلغاء الطائفية كلّها، فلا يُمكن الغاء الطائفية السياسية إذا كان البلد لا يزال طائفياً». وإذ يشير الى أنّ الفقرة الأولى من المادة 95 من الدستور تقول: «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتأليف هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم إضافة إلى رئيسي مجلس النواب والحكومة، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. ومهمة الهيئة درس واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية»، يقول: «بدلاً من أن يعملوا على تنفيذ الدستور لجهة تخطّي الطائفية والعبور الى المواطنة، يشدون الانسان الى الطائفية لكي يبقى رهينة حركة أو حزب أو عائلة، عند المسلمين والمسيحيين على حد سواء. فحسب «اتفاق الطائف» والدستور لا تُخصص أي وظيفة لأي طائفة، بل إنّ المقياس هو الكفاية والاختصاص، إلّا أنهم يناقضون هذا التوجه ويأخذون البلد الى عهد المذهبية».

 

وعن القول إنّ تخصيص وزارة معينة لطائفة محددة، إن كانت وزارة المال أو غيرها «بات عرفاً»، يوضح رزق أنّ «الأعراف يجب أن تكون مستمرّة لا متقطعة. فإذا كان تَعاقب مسيحي وشيعي وسني على وزارة ما، لا تكون هناك استمرارية. وبالتالي، لا يوجد أي عرف»، مشيراً الى أنّ العادة درجت في إحدى الفترات على أن يتولّى مسيحي وزارة التربية والتعليم العالي، لكن هذا الأمر لا يعني أنّ هذه الوزارة مخصّصة للمسيحيين، ولقد تغيّرت هذه العادة، وتسلّم هذه الحقيبة وزراء غير مسيحيين».

 

ويرى رزق أنّ «المشكلة في لبنان ليست في الصيغة أو في الدستور بل في عدم تطبيق نصوص الدستور و»اتفاق الطائف» والقوانين، وبتسليم البلد لأشخاص يجهلون الدستور أو لا يريدون تطبيقه».