IMLebanon

سقوط البلد.. لإسقاط الطائف؟

 

التطورات تتلاحق حولنا وفي العالم، موازين القوى تتغيّر، التحالفات تتبدّل، الخصومات تتلاشى، ولكن في لبنان الأزمات تتعقد، والصراعات تتصاعد، والانهيارات تتوالى، وفشل المنظومة السياسية يتزايد، وعجز أهل السلطة يتضاعف، ومعاناة اللبنانيين في عهد جهنم تكبر يوماً بعد يوم.

 

أجواء الانفراج التي أشاعتها المصالحة الخليجية لم تصل رياحها الطيّبة إلى قصور المسؤولين. انحسار موجة القلق العالمي والإقليمي من فترة العشرين يوماً المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي ترامب بعد عملية اقتحام مبنى الكونغرس، لم يستوعبها أهل الحل والربط في لبنان. النداءات العالمية المتكررة من قادة بلدان القرار بضرورة الإسراع في تأليف حكومة قادرة في لبنان، لم تسمعها آذان المراجع المعنية بتشكيل الحكومة اللبنانية!

 

وعوضاً عن العمل على فك طلاسم العقد الخلافية بين الأطراف الحزبية، يعمد فريق الحكم إلى صبّ الزيت على نار الخلافات، وزيادة تعقيدات الصراعات المحتدمة، على الحقائب الوزارية والثلث المعطل، والإمعان في سياسة الإنكار للمخاطر المحدقة بالبلد، دولة وشعباً، والذهاب بعيداً في التلاعب بقواعد الشراكة الوطنية، وخرق المبادئ والقواعد الدستورية في تأليف الحكومة، وغيرها العديد من الملفات الأخرى، على نحو ما ورد أمس في مؤتمر صهر العهد النائب جبران باسيل!

 

ما زال الحكم في لبنان يعيش وهمَ الأولوية اللبنانية في برنامج الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، متجاهلاً الحقيقة الصارخة بأن لبنان ليس بنداً مستقلاً في السياسة الأميركية، التي تُركّز على ثلاثة محاور في المنطقة هي: العلاقات الأميركية مع الدول العربية، والخليجية خاصة، والعلاقات مع الدولة العبرية التي تبقى لها المكانة المميزة في الاهتمام الأميركي، ثم العلاقات مع إيران.

 

الوضع اللبناني يتقاطع بكثير من الحذر بين هذه المحاور، والقرار الأميركي، إذا كان هناك من قرار بشأن لبنان، سيكون إحدى نتائج تقاطعات المصالح الأميركية في المحاور الثلاثة الآنفة الذكر. وهذا يعني بكل بساطة أن تعليق تشكيل الحكومة ومعالجة الانهيارات المتلاحقة بانتظار «اللفتة الأميركية»، قد يتطلب أشهراً، أو أكثر من سنة، يكون البلد خلالها قد أصبح في خبر كان!

 

وهنا يبرز السؤال: مَن يُراهن على سقوط البلد وإسقاط اتفاق الطائف، والذهاب إلى صيغة جديدة للوفاق الوطني؟

 

ثمّة شبه إجماع بتوجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله، «الطرف الأقوى» في المعادلة الداخلية الراهنة، والذي يُدير اللعبة السياسية، ليس من خلال حجم الثنائي الشيعي وحسب، بل ومن وراء التحالف مع التيار الوطني الحر، منذ تفاهم كنيسة مار مخايل بين العماد عون والسيد حسن نصرالله، الذي كان من نتائجه وصول الأول إلى رئاسة الجمهورية. وهو الحلم الذي يُراود باسيل اليوم، ويسعى للحصول على ضمانات مُطمئنة بصدده.

 

ولكن التجارب اللبنانية المريرة علمتنا، وبأثمان باهظة، أن أي طرف داخلي، مهما بلغت قوته، لا يستطيع فرض خياراته الاستراتيجية على الأطراف الأخرى من دون وجود دعم خارجي.

 

وأن أي صيغة للحكم في لبنان لا يمكن الوصول إليها، بدون توافقات إقليمية ودولية، على نحو ما حصل في عدة أزمات سابقة منذ ولادة دولة لبنان الكبير، وآخر المحطات كانت اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الداخلية برعاية عربية ودولية.

 

إذن الرهان على نتائج الانهيار بالذهاب إلى مؤتمر وطني بحثاً عن صيغة جديدة، ستكون محفوفة بكثير من المخاطر، وقد تشبه نهايتها ذلك الحجل الذي أراد أن يُقلد مشية الصقر، فكان أن نسي مشيته الأساسية ولم يستطع تقليد الصقر!

 

جهنم الحكم فتحت أبوابها على اللبنانيين من كل حدب وصوب: الانهيار المالي والاجتماعي الذي أوصل أكثرية اللبنانيين إلى خط الفقر وما دونه، تفشي جائحة الكورونا بهذا الشكل المخيف، وعجز النظام الاستشفائي عن مواجهة هذه الكارثة الصحية، وانفجار المرفأ الزلزالي وتداعياته الإنسانية المستمرة بسبب غياب الدولة الكليّ عن مساعدة المتضررين، فضلاً عن الإشكالات المحيطة بالتحقيقات القضائية، والتي تُهدّد بضياع الحقيقة في هذه النكبة الوطنية.

 

ألا تستحق المعاناة المخيفة التي يعيشها اللبنانيون في دوامة هذه الأزمات والنكبات المتناسلة العمل على تشكيل حكومة إنقاذ خلال ساعات، ووضع المصالح الحزبية والفئوية جانباً، بدل التراشق بالاتهامات والتفاهات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع؟

 

لسنا في جهنم فقط… بل وفي بئس المصير!