على مسافة 12 يوماً من نهاية ولاية الرئيس الاستقلالي الـ13
على مسافة 12 يوما من نهاية عهد الرئيس الاستقلالي الثالث عشر تتزاحم المواقف التي تتحدث عن التمسّك بوثيقة الوفاق الوطني أو ما يطلق عليه «اتفاق الطائف» من دون الإشارة الى ضرورة تحقيق الإصلاحات التي أكد عليها، من أجل إصلاح النظام السياسي المنتج الدائم لمختلف الأزمات التي يعاني منها لبنان على مدى 79 عاما وقبل 34 يوما من الاحتفال بعيد الاستقلال الثمانين.
على مدى 33 عاما من عمر مسيرة الطائف الذي دخل قبل أيام قليلة عامه الـ34 سمع اللبنانيون حديث السياسيين المستمر عن الطائف وضرورة تطبيق اصلاحاته، لكن أي تدبير عملي لم يتخذ، ولعل أبرزها ما شددت عليه مقدمة الدستور:
«ز- الإنماء المتوازن للمناطق ثقافیاً واجتماعیاً واقتصادیاً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.
ح- إلغاء الطائفیة السیاسیة هدف وطني أساسي یقتضي العمل على تحقیقه وفق خطة مرحلیة».
ماذا تحقق من إصلاحات؟
إضافة الى ما نصت عليه مواد دستورية بشأن الإصلاح السياسي، والوظائف العامة والتمثيل الطائفي، حيث جاء في المادة 95 من الدستور: «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية, تضم بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.
مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:
أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
ب- تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة».
مجلس الشيوخ
ومن الإصلاحات التي أقرّها اتفاق الطائف وأكد عليها الدستور في المادة 22 استحداث مجلس للشيوخ حيث جاء فيها: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».
أين لبنان من هذه الأمور الإصلاحية؟
بعد 30 عاما من انتخاب أول مجلس نيابي (أي في عام 1992) على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، أين أصبح مصير «اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية» بحيث ان أحدا من المسؤولين لم يأتِ على ذكر هذه الهيئة والوحيد الذي تناولها، كان الرئيس الراحل إلياس الهراوي الذي طلب تشكيلها بُعيد منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكنها لم ترَ النور.
وإذا كان إلغاء مطلب الطائفية السياسية مطلب وطني أكد عليه بيان الحكومة الاستقلالية الأولى عام 1943 واعتبر ساعة يقظة وطنية، فان هذا الهم يبقى حبرا على ورق ليس إلا.
الى ذلك، يلاحظ ان استحداث مجلس شيوخ ارتبط بانتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي «تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية»، لكن المفارقة أن كثير من السياسيين يطالبون به في مناسبات مختلفة، وبصرف النظر عما يشترط لوجوده بإلغاء الطائفية السياسية، فان لبنان عرف هذه التجربة عام 1926 حيث كان هناك مجلس نواب ومجلس شيوخ، وبعد مضي نحو عام، كشف الاختبار العملي مواطن الضعف في الدستور، وظهرت نقائص التنظيم الجديد، وكان من أبرز هذه النقائص التوتر الشديد الذي ساد جو العلاقات بين مجلسي الشيوخ والنواب، وهكذا صارت القوانين تتراوح بين المجلسين، فيقر هذا المجلس قانوناً فيرفضه ذاك، مما هدد بشلل دستوري، وفي أوائل أيار 1927 بلغت الأزمة ذروتها باتخاذ مجلس الشيوخ الذي كان يضم أكثرية معارضة للحكومة، قراراً برفض التعاون مع كل حكومة يفوق عدد أعضائها ثلاثة وزراء، آنئذ كانت الحكومة السباعية، فاستقالت، لكن الحكومة الجديدة التي شكلت جاءت أيضاً سباعية، ونالت ثقة المجلسين، أما مجلس الشيوخ فلم يكف عن ممارسة أساليب الضغط لإحراج الحكومة فتأخر البت بشأن مشروع موازنة العام 1927 تأخيراً غير عادي، وكادت أعمال الدولة تصاب بالشلل والارتباك.
آنئذ قرر رئيس الجمهورية تعديل الدستور لإصلاح ما كان قد ظهر من خلل، وبالاتفاق مع المفوض السامي الفرنسي والحكومة عرض مشروع التعديل على المجلسين، كل على حدة، فأقراه، ثم عرض عليهما مجتمعين فأقراه في 17 تشرين الأول 1927، وكان ذلك أول تعديل ادخل على الدستور وأطوله، أما أهم الموضوعات التي تناولها هذا التعديل فهي:
إلغاء مجلس الشيوخ وحصر السلطة التشريعية بمجلس النواب وحده (المادة16).
إذا كان الدستور وفق اتفاق الطائف قد حدد دور مجلس الشيوخ بأنه «تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية». ما الذي يمنع سياسي البلد أو بعضهم من أن يعتبروا تعيين مدير عام أو سفير قضية مصيرية، تذكروا ان دورة مأموري احراج وهي من الوظائف الدنيا التي أكد عليها اتفاق الطائف انها لا تخضع للتوازنات الطائفية لم يعيّن من نجح بها لانه غير متوازنة طائفيا. ولعل متطوعو الدفاع المدني الذين يطالبون بتثبيتهم خير مثال، فهم رغم تضحياتهم لم يصلوا الى حقهم, والسبب هو الطائفية.