IMLebanon

من ديك الثعلب إلى ديك التذاكي

انهيار حلم ليلة صيف.. تعديل الطائف خارج المنصة!

 

 

السؤال الملح: هل تفتح جلسة الرسالة التي عقدت بترتيبات مدروسة يومي الجمعة (لدقائق) والسبت (لساعتين ونيف) الباب الموصد، لتأليف حكومة جديدة، ليس بشروط فريق العهد ورئيسه (يعني الرئيس ميشال عون) وليس خلافاً لرغبة رئيس فريق العهد ومعاونه السياسي، بل وفقاً للمبادرة المعروفة بالفرنسية، والتي أطلق عناوينها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون (المفوض من الدول السبع المعنية) بتعبير وليد جنبلاط، من أجل انتشال لبنان من ورطته المستعصية على التسويات، ناهيك عن الحلول المؤقتة أو الدائمة!

السؤال، وإن بدا يحمل في جوفه الإجابة، أو الإجابات الواضحة، أو الملتوية، أو الرمادية، إلَّا أن مشروعيته قائمة، من زاوية أن التغيّر سمة الجباة، وأن لا أقدار ثابتة، ونهائية، في هذا الشرق الجريح، المتخبط بأزماته، والغارق في ضياعه وانقساماته، ومنه بالطبع لبنان عندما كان صغيراً، وكما صار كبيراً، ناهيك عن ثقافة النوستالجيا الفينيقية، وأدونيس وعشتروت، وقصائد سعيد عقل، على طريقة الملاحم الهوميرية، ولكن بلكنة لبنانية، وعلى الطريقة الزحلاوية، وليس على طريقة يا جارة الوادي!.

ببساطة متناهية.. يأتي الجواب، هكذا من دون عناء وتبصُّر.. نعم من الممكن تأليف الحكومة.. واستطراداً: هل القاعدة التأليف، أو التصريف لمن عجز عن التكليف والتأليف..

وإذا كان خيار اللاتشكيل قدراً، كان من الممكن ان يلحظه الدستور، الذي اعتبر ان القدر هو التوافق، والإتفاق، والانتقال من نقطة إلى نقطة، ومن خطوة إلى خطوة، في إطار من «الإلزام القدري» لا الإختيار الدستوري.. فدستور لبنان، ليس مجالاً للإختيار، بقدر ما هو مجال لتجربة «عيش قدرية» فرضتها عوامل الزمان والمكان، وصراعات الإقليم وتوتراته منذ تصفية تركة «الرجل المريض» وقيام حركة القوميات والتأسيس الدولي، من الحروب الصغيرة، في البلقان وآسيا الصغرى إلى الحربين الكبيرتين الأولى (عام 1914- 1918) والثانية عام (1939- 1945).

خارج المنهزم والمنتصر، في بلد الإنهيارات والرهانات، في العقد الثالث من الألفية الثالثة، بدا ان «قدر التوافق» هو الأصل، والباقي، ما لم يتصل به، لا معنى له، لا على المستوى الأصيل المتفرّع أو الفرع المتصل.. وأن حلم ليلة صيف، يبقى حلماً. فتعديل الطائف خارج المنصة الاقليمية- الدولية.. لأن ثمة صلة بين التعديل والحرب، وكلاهما غير قائم على هذه المنصة..

كأن ريح اللبنانيين لم تذهب بعد، عندما دعا «الجمع المحتشد» في قاعة الأونيسكو، والسبت الماضي، امام عدسات الكاميرا، وعبر الشاشات التي سمح لها بنقل المشهد اللبناني المؤلم، الرئيس نبيه برّي إلى الوحدة، ثم الوحدة، ثم الوحدة..

في المشهد هذا من الجمعة إلى السبت، بات فريق بعبدا في المأزق الحقيقي، هو يبحث عن مخارج لتأليف الحكومة: المأزق يكمن بالتالي: ليس بالإمكان سحب التكليف من سعد الحريري الرئيس المكلف، لا دستورياً، ولا سياسياً، ولا على أي مستوى، ليس بالإمكان، القبول بشروط الحريري لتأليف الحكومة.. حكومة تصريف الأعمال، لن تقوى على اتخاذ أي قرار يرغب به فريق العهد.. تعديل الدستور، ولو انبرى باسيل إليه، انتحارياً لن يكون بالإمكان حصوله.. كل شيء يلعب في الداخل لغير صالحه، ما خلا ما يجري في الإقليم لغير محور الداعم سابقاً لقوى 14 آذار، المفككة، والعاجزة عن الفعل.. بعدما فقدت سائر أوراق القوة..

بين استحالة ثلاثة: استحالة تعديل الدستور، استحالة إبعاد الحريري، استحالة استنهاض حكومة حسان دياب، المشلولة، والتي شلت البلد، بدا باسيل، بما لديه من موقع ممتاز، اكتسبه من اللحظة، التي أُبرم فيها اتفاق مار مخايل مع حزب الله، بدا نجم باسيل، بالسطوع، فأصبح من نوع يُحاكي ما في المنطقة: هو رئيس تيّار سياسي.. وهو رئيس تكتل نيابي، وهو يفاوض ويعيّن الوزراء.. ويقترح في الجلسة الأخيرة، غير المخصصة لتعديل الدستور، ان يتقدّم باقتراح قانون لتعديل نظام المهل في ما خصَّ الوقت الذي يجب ان يعطى للرئيس المكلف لتأليف الحكومة..

في الإشتباك الحاصل حول تأليف حكومة العهد الأخيرة.. بالضبط هل هي حكومة دياب، أو الحكومة المرتجى تأليفها، ومنذ 17 ت1 (2019)، ونجم الرجل ينحو إلى الأفول.. سقطت نظرية الأقوياء في طوائفهم، ها هو سمير جعجع (رئيس حزب «القوات اللبنانية») يتقدّم إلى المسرح من زاوية الأقوياء في الطوائف، ليترشح للرئاسة الأولى- علّ وعسى- كما يردد هو نفسه..

سقطت نظرية أن الطوائف، في الديمقراطية التوافقية، هي التي تسمي شخصياتها إلى نظام «دولة المحاصصة»، وجاء المجتمع الدولي، ليعلن بصراحة أن التجربة السياسية من الـ2005 إلى اليوم، باتت عاجزة عن الاستمرار.. فلا بدّ من مرحلة انتقالية، «حكومة بلا أحزاب»، أي إبعاد النفوذ الحزبي، الطائفي، المذهبي، الإنتهازي عن مركز القرار..

تعرّض باسيل لعقوبات، ليس من زاوية التحالف مع «حزب الله»، بل من زاوية الدور غير المقبول، لا على مستوى الإقليم ولا على المستوى الخارجي..

السبب ببساطة: طموح الرجل لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إطاحة اتفاق الطائف!

الحرب الممتدة، منذ اتفاق القاهرة (1969) إلى حرب السنتين (75- 76) إلى حروب «الأخوة الأعداء» (التحرير والإلغاء) الداخلة ضمن إنجازات الرئيس ميشال عون، عندما كان في قيادة الجيش ورئيساً للحكومة العسكرية، كانت هي التي انتجت اتفاق الطائف.. وليس العكس.. توقفت الحرب باتفاق الطائف.. فإلغاء الطائف أو تعديله يعني الدخول في ورشة حرب جديدة، بصرف النظر عن لونها ورجالها وطعمها ومداها، فهل هذا متاح؟ الجواب لا..

لا يكفي رهان باسيل على حزب الله، لكسب المعركة الدستورية، وإعادة «حقوق المسيحيين» وفقاً للمزاعم القائمة، المصرح بها أو المضمرة.. فالمسألة أبعد حدوداً، وأكثر تعقيداً وقيوداً..

أمام الحقائق التي فرزتها «جلسة الرسالة» بدت «خيبة الأمل» طاغية لدى فريق اللاعب المضطرب، على حبال الاستقرار اللبناني الهائجة في رياح المنطقة المضطربة.. أبعد من غزة، ومن خليج عدن، وسدّ مأرب، ومضيقي البوسفور والدردنيل، ودجلة والفرات.

كنت أتامل في مجريات ما حصل.. فخطر على بالي أحمد شوقي، ليس من وادي زحلة (يا جارة الوادي) بل من قصة «الثعلب والديك»:

برز الثعلب يوماً                                                   في شعار الواعظينا

وازهدوا في الطير                                               إن العيش عيش الزاهدينا

الطير هنا الحكومة.. الرجل زاهد، لا يريد المشاركة أو التسهيل، فهو يقترح آلية مذهبية خطيرة لتأليف الحكومة، يصبح رئيس الجمهورية معنياً بكل تفصيلها.. بين الزهد بالطير.. وما تلاه..

يتابع شوقي:

واطلبوا الديك يؤذن                                              لصلاة الصبح فينا

فأتي الديك رسول                                                من إمام الناسكينا

وهكذا إلى ان وصل إلى قول العارفينا:

مخطئ من ظن يوماً                                              ان للثعلب دينا..

رحم الله شوقي.. هل تظن المشهد في قصر الأونيسكو على صورة مغايرة لمسرح شوقي بين الثعالب والديكة والواعظين.. وصلاة الصبح..

أزمة أبعد من التأليف والتصريف.. إنها واحدة من أخطر تصدعات المشهد الإقليمي.. بصرف النظر عن آذان الديك، أو عيش الزاهدينا..!