خارطة طريق التسوية تُفشل أهداف الانقلاب الحوثي بتطويق السعودية.. وترسم معالم ملفات سوريا والعراق
«طائف يمني» في الكويت على الطريقة اللبنانية!
حصيلة عام من الحرب: 7 آلاف قتيل وثلاثون ألف جريح و3 ملايين لاجئ!
مشاورات السلام اليمنية التي تستضيفها الكويت برعاية الأمم المتحدة, والتي تُعقد بين وفد الشرعية من جهة ووفد الحوثي – صالح من جهة أخرى، بهدف التوصّل إلى إنهاء الأزمة اليمنية وإخراج البلاد من دوّامة الحرب والعنف التي حصدت في عام واحد، وفق الأرقام التي قدّمها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، سبعة آلاف قتيل وثلاثين ألف جريح وثلاثة ملايين لاجئ، تدفع بالمراقبين إلى مقارنتها بالحوار بين أعضاء مجلس النواب اللبناني الذي استضافته المملكة العربية السعودية، في مدينة الطائف عام 1989، بغية إنهاء الحرب اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاماً حاصدة معها أكثر من مائة ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى وخراب ودمار شامل في البنى التحتية والاقتصاد الوطني وتهالك مؤسسات الدولة.
لعل منطلق المماثلة يعود إلى ما يسمعه زائر الكويت من إصرار لدى القيادة الكويتية، وعلى رأسها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، على أن تؤول المحادثات اليمنية – اليمنية إلى حل شامل للأزمة، وسط كلام أمميّ عن احتمال أن يستغرق الحوار بين أربعة وستة أسابيع. فنواب لبنان الذين مثّـلوا، آنذاك، مختلف الأطياف والقوى السياسية اللبنانية، مكثوا في الطائف شهراً كاملاً خاضوا فيه محادثات صعبة وشاقة، تفرّعت عنها لجان لبحث بنود الاتفاق التي تراوحت بين الإصلاحات السياسية وبسط سلطة الدولة والعلاقات اللبنانية – السورية، وفي حين لعبت، آنذاك، لجنة مُصغرة من النواب عُرفت بـ «لجنة العتّالة» دوراً رئيسياً في صوغ الشق الداخلي في «وثيقة الوفاق الوطني»، كان للمحادثات العربية والإقليمية مع الجانب السوري الدور الرئيسي في التوصل إلى الشق المتعلق بالوجود السوري ومستقبل العلاقة بين البلدين، ليُبصر «اتفاق الطائف» النور الذي أرسى أسس إنهاء الحرب بغطاء عربي ودولي.
لم يكن حل الأزمة اللبنانية وليد رغبة الأطراف الداخلية المتحاربة بالوصول إلى تسوية، رغم محاولاتهم المتكررة على مدى سنوات المحنة، للتوصّل إلى اتفاق، بقدر ما كان نتاج متغيّرات دولية وإقليمية، فتحت الطريق أمام المساعي العربية للضغط في اتجاه دفع اللبنانيين إلى تسوية وفي تهيئة المناخات الإقليمية المؤاتية لها.
في رأي متابعين لمجريات الأزمة اليمنية، أن المبادرة الخليجية التي وُقّعت في الرياض في تشرين الثاني 2011 أمّنت نقل السلطة في اليمن، عقب «ثورة الشباب» التي اندلعت كجزء من «الربيع العربي»، وطالبت بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة، وشـكّلت مرجعية دستورية لإدارة البلاد، حيث سلّم صالح - الذي حظي بحصانة من الملاحقة القانونية - الرئاسة لنائبه عبد ربه منصور هادي في شباط 2012، وذهب اليمنيون إلى حوار وطني شامل بين المكونات السياسية والاجتماعية، استغرق تسعة أشهر، وأفضى إلى وثيقة وُقعت في كانون الثاني 2014 رسمت معالم «عقد اجتماعي جديد»، انطلاقاً من مراجعة عميقة لكل الاختلالات ومكامن الضعف في هياكل الدولة والممارسات السلبية التي أفضت إلى مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية وضعت اليمن ضمن قائمة الدول الفاشلة والمهددة بالانهيار، كما جاء في مقدمتها.
إلا أن مسار الحل شهد انقلاباً نفّذه الحوثي – صالح يوم تمدّد الحوثيون في المحافظات اليمنية، من صعدة إلى العاصمة، وفرضوا ما سميّ بـ «اتفاق السلم والشراكة» ليُكمِلوا الانقلاب بالاستيلاء على عدن بعدما فرّ إليها هادي، وهو الانقلاب الذي رعته إيران وتغنّت حينها بأنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية.
كان الهدف من الانقلاب، حسب هؤلاء المتابعين، ليس بسط النفوذ الإيراني على مساحة اليمن فحسب، بل تطويق المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ما استدعى إنشاء التحالف العربي بقيادة السعودية وإطلاق «عاصفة الحزم» بهدف حماية الأمن القومي الخليجي وإعادة الأمور في اليمن إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب، والعودة إلى العملية السلمية من حيث توقفت.
فخارطة الطريق لحل الأزمة اليمنية واضحة المعالم، وترتكز على النقاط الخمس التي تضمنها قرار مجلس الأمن 2216، والتي تنص على انسحاب ميليشيات الحوثي – صالح من المدن التي سيطرت عليها في الربع الأخير من العام 2014 وبينها العاصمة صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة للدولة واستعادة المؤسسات ومعالجة ملف المحتجزين السياسيين والمختطفين والأسرى، ومن ثم البحث في خطوات استئناف العملية السياسية.
تلك الخارطة، حسب الوفد الحكومي، لا تحتاج إلى تفاوض، بل إلى اتفاق على الخطوات الإجرائية بجدول زمني واضح ومحدّد لتنفيذها.
وإذا كان الموفد الأممي الذي يسعى إلى تحقيق اختراق، عمد إلى تجاوز تراتبية النقاط الخمس عبر طرح مسارات متوازية من خلال تقسيم المشاركين إلى لجنتين، تعمل الأولى على القضايا السياسية، بينما تركز الثانية جهودها على القضايا الأمنية، ليصار لاحقاً إلى عرض توصيات اللجنتين والاتفاق على تطبيقها في الجلسات المشتركة الجامعة، ما فسّر بعزمه على إمساك العصا من وسطها، فإن سقف المناورات الممكنة محدود، إذ باءت بالفشل محاولة وفد الحوثي – صالح العودة إلى المُربّع الأوّل، ووضع العربة قبل الحصان، من خلال البحث في حصته من عملية تقاسم السلطة قبل الذهاب إلى تنفيذ الخطوات الإجرائية لاستعادة الحكومة الشرعية لمقدرات الدولة.
ليس بالأمر المُستغرَب على المراقبين أن تتأزم المحادثات أو تنفرِج، وأن يتصلّب المتحاورون أو يلينون. إنها جزء من العملية التفاوضية، وسياسة «شدّ الحبال» لتحقيق أفضل المكاسب، لكن الأنظار تتجه إلى ما يمكن أن تخرج به مشاورات الكويت، من نجاحات أو إخفاقات، إذ سترسم نتائجها معالم المرحلة المقبلة في اليمن ومن خلالها مستقبل الملفات الشائكة من سوريا إلى العراق!