علامة استفهام كبيرة وعريضة ارتفعت في سماوات الولايات المتحدة في الأيام القليلة الماضية، وقد أثارت حالة من الدهشة الممزوجة بالبحث عن جواب شافٍ وافٍ؛ ما الذي تريده طهران وملاليها من واشنطن، عبر التصعيد المثير بحراً وجواً، المتمثل في تحرش قوارب مسلحة إيرانية بقِطع الأسطول الأميركي أول الأمر، والحديث عن إطلاق قمر صناعي عسكري تالياً؟
قبل الإعلان عن القمر الصناعي الإيراني الجديد، كانت إيران تعلن أيضاً عن تطويرها طائرات مسيّرة مسلحة جديدة، وراداراً جديداً للمسافات البعيدة، عطفاً على قذائف مضادة للدروع، قالت إنه يمكن إسقاطها من الطائرات المسيّرة.
هل هذه وتلك نوع من أنواع الضغوطات من قبل الملالي على الوجود الأميركي في منطقة الخليج، ولا سيما العراق؟
من الواضح أن طهران تمارس خطة دعائية محكمة تجاه الولايات المتحدة، عسكرياً ودبلوماسياً، ذلك أنه فيما تقترب القطع الإيرانية البحرية التي يديرها «الحرس الثوري» من سفن ومدمرات الأسطول الأميركي في مياه الخليج، تصدر وزارة الخارجية الإيرانية بيانات ضد الوجود الأميركي، الذي تطلق عليه «غير الشرعي» في المنطقة، ويؤكد الناطق باسم الوزارة، عباس موسوي: «نريدهم أن يتركوا المنطقة في أسرع وقت».
هل الإيرانيون جادون في هذا التهديد، أم أنها أصوات زاعقة ارتفعت في وقت تصور فيه الملالي أن الأميركيين في محنة داخلية سوف تعوقهم عن الردّ؟
خُيل للقيادة الإيرانية أن واشنطن مهمومة ومحمومة في مواجهة «كورونا»، وأنها غير قادرة أو راغبة في الرد على استفزازات إيران، بل أبعد من ذلك، إذ قد تكون المخيلات الإيرانية المريضة معتقدة أن يد إدارة الرئيس ترمب مغلولة إلى عنقها، من جراء عام الانتخابات الرئاسية، وعدم رغبة ساكن البيت الأبيض في فتح جبهة حرب خارجية، يمكنها أن تختصم من رصيده لدى الرأي العام الأميركي، ما يدفعه خارج البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
على أن أوهام «الحرس الثوري» الإيراني تحطمت على صخرة الأمر الرئاسي الأميركي الذي يقضي بقصف وتدمير جميع الزوارق الحربية الإيرانية إذا تحرشت بالسفن الأميركية في البحر.
والثابت أنه بالرجوع إلى «ميزان الانتباه العسكري»، فإنه لا مقارنة تذكر بين قطع إيران البحرية التي تعود إلى سبعينات القرن العشرين، ومقدرات الأسطول الخامس الأميركي، الذي بات بحسب تصريحات نائب وزير الدفاع الأميركي، ديفيد نوركويست، جاهزاً ومحتفظاً بحق الدفاع عن النفس.
هل ستجرؤ إيران على اختبار مدى جدية ترمب، وهي تعلم أن الأمر بالنسبة له مصيري وحيوي، أي أمر الحرب، إذ من المعروف تاريخياً أن كل رئيس أميركي عادة ما تكون له حربه الخاصة التي يظهر فيها قوته وقدرته السياسية والحربية، وقد لا يكون ترمب في حاجة إلى حرب شاملة، بل عملية نوعية بحرية، تُذكر بآخر عملية في الحرب العراقية الإيرانية، المعروفة بـ«براينج مانتيس»، وفيها خسرت إيران نصف أسطولها المتهالك في الأصل؟
أغلب الظن أن الإيرانيين أرادوا نصب فخّ دعائي لترمب، فزلّت قدمهم فيه، وربما أعناقهم عما قريب، وبخاصة أن ما جرى في البحر تبعته تهويمات وإرهاصات مثيرة في الجو.
الاستفزازات الإيرانية للولايات المتحدة ولبقية الإقليم، مضت عبر طريق أبعد وأشرس، يكشف نوايا إيران وشهوة قلبها لبسط الهيمنة والسيادة في المنطقة، وذلك عبر إطلاقها قمراً صناعياً عسكرياً، أطلقت عليه اسم «نور 1»، باستخدام الصاروخ الحامل «قاصد» على مرحلتين، ليستقر على مسافة 425 كيلومتراً من سطح الأرض.
الإعلان الإيراني يضرب عرض الحائط بقرار مجلس الأمن الدولي 2231 الصادر عن المنظمة الأممية في عام 2015. والذي يحظر على إيران إجراء تجارب صاروخية، مواكبة لبرنامجها النووي.
المؤكد أن الإشكالية ليست في القمر الصناعي، عسكرياً كان أم مدنياً، والجميع بداية يشك في أمرين؛ صحة ودقة التصريح الإيراني، ولا سيما أن أقمار واشنطن التي تجوب الفضاء على مدار 24 ساعة لم تكتشف وجود القمر الإيراني حتى الساعة، فيما الأمر الآخر موصول بامتلاك تقنية حقيقية، بعيداً عن الدعايات الجوفاء التي رأيناها في كثير من الإعلانات العسكرية الإيرانية السابقة.
الكارثة الحقيقية موصولة بتطوير إيران المستمر والمستقر لبرنامج صواريخ باليستي قادر على نقل هذه الأقمار إلى مدارات خارج الكرة الأرضية، ما يعني أن نظام الملالي قد أضحى مهدداً جدياً لدول العالم كافة، وسوف يزداد المشهد مأساوية إذا امتلك عما قريب أسلحة نووية.
ما يجري في الأيام والأسابيع الأخيرة من قبل الإيرانيين ينبغي أن يلفت انتباه الأوروبيين الذين لا يزالون يراهنون على الحلول السلمية مع الجانب الإيراني، ويسعون إلى استنقاذ النظام الإيراني عبر مخارج مالية تمده بالأكسجين النقدي اللازم لبقائه على قيد الحياة، فهل ينتبه الأوروبيون أم سيكررون الخطأ عينه الذي أدى إلى هدم دولهم فوق رؤوسهم من جراء صواريخ هتلر خلال الحرب العالمية الثانية؟
أمر آخر على الأميركيين أنفسهم الالتفات إليه بحذر شديد، والمقصود هنا اللعب على أوتار المشهد الإيراني، كجزء من حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
هنا، هل من يخبر نائب الرئيس الأميركي السابق، جوزيف بايدن، الرجل الذي لا ينفك يُظهر إنسانية ليست في محلها تجاه إيران، أن رهانات الإدارة الأوبامية التي شارك فيها 8 سنوات على تغيير إيران سلوكها العدائي قد فشلت، ولهذا، فعليه الصمت لئلا يصيبه شرّ انتخابي أعظم، متوقع لصالح ترمب؟
التهور الاستراتيجي الإيراني ربما يكتب نهاية ثورة لا دولة، وللحديث بقية…