الوصاية السورية السعودية حكمته بسوء التفسير.. والتطبيق!
اصبح عمر اتفاق الطائف ربع قرن، ففي مثل هذه الايام قبل 25 سنة، اجتمع 62 نائبا لبنانيا في مدينة الطائف السعودية وتوصلوا الى ما عرف بوثيقة الوفاق الوطني، وفي 22 تشرين الاول من العام 1989 تم اقرارها من قبل مجلس النواب اللبناني، ليُعدَّل بعد ذلك الدستور على اساسها في 21 ايلول من العام 1990.
أُعطي الفضل للطائف بأنه انهى الحرب الاهلية في لبنان، وصار عنوانا لـ”السلم الاهلي” و”الاستقرار السياسي”، ولكن هذا العنوان اخذ يتفسخ على مرّ الايام، ولعل مقاربة موضوعية لهذا “الطائف” تصل الى الآتي:
أولا، ان التجربة الطويلة للطائف تلخص بمرحلتين متناقضتين: الاولى في عهد ما سمي بالوصاية السورية التي ادارته بالتكافل والتضامن والشراكة مع الراعي السعودي، وتجلت تلك الادارة في الثنائية السورية ـ الحريرية. والثانية، مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري التي انكسرت فيها الركيزة السورية وبقي الطائف قائما على رجل سعودية مسنودة اميركيا، عندها تجلى الانقسام والتناقض الحاد في النظرة اليه بين القوى السياسية والطائفية.
ثانيا، القول إن الطائف لم يطبق وانه يجب تطبيقه لتحديد حسناته والبناء عليها وكذلك السيئات والثغرات التي تعتريه لتداركها واصلاحها، هو قول خاطىئ، فقد تم تطبيقه، وانما بشكل انتقائي منذ العام 1992، الا ان هذه الانتقائية ابرزت الثغرات التالية:
– ازمة نص وسوء تفسير لمضمونه ومواده، بحيث لا يأتي هذا التفسير الا مراعيا للاعتبارات الطائفية والسياسية.
– انتقائية في التطبيق، بحيث نفذت مندرجات وأبقي على مندرجات اساسية من دون ان تقارب او تمس، كتشكيل هيئة الغاء الطائفية السياسية، او انشاء مجلس للشيوخ…
– سوء تطبيق، ولا سيما لمواد تتعلق بالرئاسات الاولى والثانية والثالثة، وعلى وجه الخصوص تلك التي تتعلق بالمهل ان لناحية اصدار القوانين او لناحية امد تكليف رئيس الحكومة، او التي تتعلق بحركة القرارات والمراسيم والقوانين وعدم تطبيقها ووضعها بالادراج، وكذلك بصلاحيات الوزراء التي تجعل من كل وزير بتوقيعه وزيرا ملكا، وثمة محطات كثيرة وجد فيها النظام السياسي نفسه امام ازمة نص.
– تجاوز الطائف نهائيا في مراحل معينة عبر “الترويكا” التي حكمت البلد بالمحاصصة.
– تطويع الطائف بما تقتضيه المصالح السياسية والانتخابية، والذي تجلى في تفصيل كل القوانين الانتخابية خلافا لما نص عليه الطائف نفسه. وبالتالي عادت التقسيمات الى البدايات كما هو الحال حاليا مع قانون الستين المعمول به حتى الآن.
– تجاوز النص بتعطيل الحكومة وتعطيل مجلس النواب وبعدم انتخاب رئيس للجمهورية وبالتمديد لمجلس النواب.
– محاولة فرض سيطرة رئيس مجلس الوزراء على كل الصلاحيات وفي مقدمها صلاحيات رئيس الجمهورية، على غرار ما فعل فؤاد السنيورة ايام حكمه بالشراكة مع حلفائه المسيحيين في “14 آذار”.
– محاولة نسف النص في موضوع المقاومة بالاختلاف الحاد حولها برغم ان الطائف يفرد فقرة واضحة حولها باشارته الى تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي باتخاذ لبنان كل الاجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
– نسف النص في موضوع العلاقات اللبنانية السورية، وكل ما يتصل بـ”العلاقات الاخوية والمميزة بين البلدين” او على التعاون والتنسيق بينهما، او على “عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان في أي حال من الأحوال. وألّا يسمح لبنان بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سوريا. والا تسمح سوريا بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته”. هذا النص نسف بعد اغتيال الحريري، وانتهى نهائيا منذ بدء الازمة السورية والتدخل المباشر فيها من قبل الفرقاء.
يجمع الكل على ان لبنان يعيش أزمة خطيرة، ليست أزمة سياسية او أزمة حكم بل هي أزمة كيان ووجود، ولاسيما انه يعيش وسط منطقة تتصارع في ما بينها ودول فيها تتحلل وتختفي عن الخريطة وكل انظمتها السياسية “فرطت” او هي على وشك ذلك، وهذا يقود الى الاسئلة التالية:
– هل ان الطائف وبالطريقة التي اعتمد فيها خلال ربع قرن، ما زال يصلح للحظة السياسية والإستراتيجية والوجودية التي يقف امامها لبنان حاليا؟
– هل ان الطائف يصلح للمرحلة المقبلة، ام ان التطورات في المنطقة التي لا بد ان تلفح النظام السياسي في لبنان ستفرض اعادة انتاج الشراكة الوطنية بعقد اجتماعي جديد، ام انها ستجعل الطائف قابلا لاعادة ترتيب وصياغة جوهرية؟
هناك من يقول إن الطائف قد خدم عسكريته ولم يعد صالحا لكي يشكل جسر العبور للخروج من الازمة، في ولادته كان قائما على السيبة السورية السعودية (والاميركية)، والآن اصبح “اعرج” بعدما انكسرت السيبة السورية فكيف لهذا الطائف ان يستمر؟