تبرز في كلّ محطّة من المحطّات، أو أزمة من أزمات لبنان السياسية، سلسلة من العناوين التي ربّما تُستخدم في العلن بشكل مُنمّق، بينما تكون حقيقتها ومضمونها شيئاً آخر، ومن هذه العناوين ما سمعناه مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان عن “عقد سياسي جديد”.
هذا العنوان سبقته عناوين أخرى مثل: “المؤتمر التأسيسي”، “الحوار الوطني”، “مؤتمر جنيف”،”مؤتمر لوزان”، “مؤتمر سان كلو”، “مؤتمر الدوحة”، وكلّ هذه المؤتمرات وما نتج عنها لم تكن سوى إلتفاف أو تجاوز لإتفاق الطائف والدستور الذي يُفترض أنه يُنظّم الحياة السياسية اللبنانية منذ عام 1990 حتى الآن.
وإذا كان كلّ مؤتمر أو تسمية تأتي بعد أحداث وتطوّرات معينة لتنهيها بتسوية ما، فإنّ الحديث عن العقد السياسي الجديد أعاد إلى الواجهة ما كان طُرح عام 2007 في مؤتمر سان كلو حول المثالثة في الحكم بدل الصيغة القائمة حالياً، سيّما وأنّ هناك العديد من القوى السياسية، وحتى القانونية والدستورية، تُنظّر منذ فترة من الزمن لإنتهاء صلاحية الطائف أو تعطيل مفعوله.
يقول متابعون لوقائع مناقشات الطائف لـ”نداء الوطن” إنّ مسألة التوقيع الشيعي على المراسيم والقوانين بدأ البحث والنقاش بها خلال مؤتمري جنيف ولوزان عامي 83 و84 في عهد الرئيس الأسبق أمين الجميل، وأنّ الرئيس نبيه بري الذي كان رئيساً لحركة “أمل” حينها، طرح في المؤتمر الذي كان حاضراً فيه ممثّل سوريا عبد الحليم خدام، إستحداث منصب نائب رئيس للجمهورية يُسند إلى شخصية شيعية، فكان الجواب أنّ هذا الإقتراح لا يتناسب إلّا مع النظام الرئاسي وليس مع النظام البرلماني. ثم عرض بري في مؤتمر لوزان أن يكون نائب رئيس الحكومة شيعياً مع صلاحيات، فسقط الإقتراح لأنّ المنصب هو للطائفة الأرثوذكسية. وانتقل النقاش إلى الإتّفاق الثلاثي في دمشق، وجرى طرح موضوع المثالثة في السلطة، إلى أن انعقد مؤتمر الطائف، حيث أُعيد طرح موضوع التوقيع من قبل الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد والأميرالسعودي عبدالله بن عبد العزيز، وجرى التركيز على الإنتقال من النظام الطائفي إلى النظام المدني، وتمّ التوافق على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وإقرار قانون إنتخاب خارج القيد الطائفي”.
وتقول المصادر: “إنّ هذا الطرح كان ربّما سبباً للوصول إلى صيغة إلغاء الطائفية السياسية والتخلّي عن توزيع المناصب بين الطوائف بشكل تدريجي”.
وترى المصادر أنّ هذا الطرح يأتي في عزّ الخلاف والصراع الإيراني – السعودي، وبالتالي تجري الوشوشة والتسريبات حول طرح المثالثة الذي سبق وطُرح من قبل إيران بعد عدوان 2006 وخلال مؤتمر سان كلو الفرنسي عام 2007، ثمّ صُرف النظر عنه، سيما وأنّ بعض الشخصيات الشيعية تجزم بأنّ لا أحد فاتحها بهذا الأمر من المرجعيات الدينية الشيعية في لبنان أو خارجه إطلاقاً.
وتؤكّد المصادر أنّ الحلّ الوحيد لتركيبة لبنان وصيغته هو بما نصّ عليه الطائف، والسير بتنفيذ مضمونه، لأنّه دستور مدني بإمتياز، بالرغم ممّا تعرّض له لبنان من ضربات بعد الطائف.
رزق: الطائف أكد الشراكة
يقول الوزير والنائب السابق إدمون رزق، الذي ساهم وشارك في صوغ إتّفاق الطائف وكان في لجنة الصوغ في أحاديث صحافية مختلفة: “إنّ الطائف أكّد نهائية الوطن اللبناني والشراكة المتكافئة بين اللبنانيين، كذلك أرسى قواعد نظام ديموقراطي لوطن تعدّدي موحّد على أساس المواطنة من دون تمييز بين أبنائه، لكنّه لم يُطبق، وكان خطوة في غاية الأهمية نحو العلمنة المؤمنة لوضع نظام خارج القيد الطائفي من خلال خطّة مرحلية منصوص عنها بالمادة 95، كان يُفترض أن تضع هذه الخطّة هيئة وطنية تضمّ إختصاصيين في العلوم الإجتماعية، لكن للأسف لم تؤلّف هذه الهيئة أو اللجنة المنوط بها الإنتقال من الحالة الطائفية إلى المواطنة، والمؤسف أنّه حلّ مكانها وبغطاء مُزيّف، نظام محاصصة زاد منسوب الطائفية وكرّس الزعامات الطائفية والمذهبية والهيمنة على مؤسسات الدولة”.
الحسيني: السلطة تمنع تطبيق الطائف
أما “أبو الطائف” الرئيس حسين الحسيني فيقول في أكثر من حديث وحوار بأن الطائف هو الأنسب لتركيبة لبنان، أي الحكم المدني، فلا توجد طائفة في لبنان تستطيع أن تحمي نفسها بنفسها، فتكوين لبنان قائم على حماية الكلّ للكلّ، والنظام الذي يؤمّن ذلك هو النظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني فقط.
ويرى الحسيني أنّ ما يمنع تطبيق الطائف هو السلطة المُصرّة على عدم إصدار القوانين التطبيقية للإصلاحات الدستورية، مُستعرضاً بعض الأسباب والظروف الدولية التي ساهمت في عدم تطبيق الطائف في العام 1990 بعدما أقرّه مجلس النواب، ومنها إجتياح العراق للكويت (آب 1990)، تبديل الأولوية عند أميركا، فبات لبنان من ضمن الحلّ وليس مدخلاً لحلّ أزمة المنطقة كما كان مُقرّراً، وأصبحت الأولوية لضرب العراق وعقد مؤتمر مدريد لحلّ قضية الشرق الأوسط، كذلك تغيّر الدور السوري في لبنان، فبدلاً من مساعدته على حلّ الأزمة أصبحت دمشق تشرف على إدارتها.
ويؤكّد الحسيني أنّ لا بديل عن الطائف في الوقت الحاضر، فهو عقد في العام 2014 لقاءً ضمّ نحو 54 شخصية وطنية وسياسية وروحية، بدعوة من مركز المبادرة الوطنية، وجرى التداول والنقاش على مدى ثلاثة أيام في موضوع إتفاق الطائف، ولماذا لم يطبّق، وهل من ثغرات فيه، وإذا العمل به ما زال صالحاً، فكان الجواب بعد نقاش علمي وموضوعي، أنّ لا بديل عن إتفاق الطائف.