عقد مؤتمر من أجل استذكار «الطائف»، حضره بالاضافة الى وزير خارجية الجزائر السابق الاخضر الابراهيمي، ومعظم القيادات اللبنانية وبالأخص ولأوّل مرّة الوزير سليمان بك فرنجية، وكان حضوره لافتاً.
السفير السعودي د. وليد البخاري بشّر اللبنانيين بأنّ فرنسا لا تريد أي تغيير بالنسبة لـ «الطائف»، بل بالعكس فإنها متمسّكة به، وتعتبره الضمانة لوحدة لبنان وللعيش المشترك بين اللبنانيين، إذ يعطي كل طائفة حقها كما يجب، وعلى كل طائفة أن تحترم الآخرين.
قيل الكثير، وسيُقال أكثر.. ولكن عندي نظرة مختلفة بالنسبة للذين يقولون: ماذا قدّم «الطائف»؟. إذ اعتبر ان هذا الكلام ظالم بحق اللبنانيين لأن سبب تقصيره كان عدم تنفيذ بقية البنود التي جاءت في «اتفاق الطائف» من اللامركزية الادارية الى مجلس الشيوخ.. كما شكا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لأنه حُرم من هذا المنصب.
في الحقيقة ان الكاردينال الراحل مار بطرس صفير كان يدعو دائماً ويردّد: «قبل أن تنتقدوه نفذوه».
هنا لا بد من العودة الى وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في 10 حزيران عام 2000.. هذا الحدث الكبير هو الذي عطّل تنفيذ «الطائف»… وللتاريخ فإنّ الجميع يعلم أنّ «ميزان الجوهرجي» حافظ الأسد كان يزين الأمور بميزان الألماس والذهب، ويضع ضوابط وإطار لكل فريق… وبالأخص أذكر هذه الحادثة التي حدثت مع زعيم ديني كبير طلب موعداً من الرئيس حافظ الأسد، فجاءه الموعد بعد 4 أشهر نعم 4 أشهر… لا مشكلة، ذهب القيادي الديني الكبير الى دمشق لمقابلة الرئيس حافظ الأسد ليفاجأ بأنه كان عليه أن ينتظر 4 ساعات في مكتب مدير الرئاسة، وهذه كانت رسالة لإيران وإلى «الحزب» أيضاً بأنّ قرار الحزب ليس في إيران بل في سوريا، وتحديداً بيد الرئيس حافظ الأسد.
موت الرئيس حافظ الأسد ومجيء ابنه بشار غيّر الظروف. ويمكن أن نقرأ ونميّز بين مرحلة الرئيس حافظ الأسد ومرحلة الرئيس بشار الأسد. ففي أيام الرئيس حافظ كانت الأمور كلها بيده… والدليل على ذلك عندما عرض الايرانيون موضوع بناء مفاعل نووي في سوريا بكلفة 4 مليارات من الدولارات.. رفض الرئيس حافظ الأسد هذا الموضوع قائلاً للإيرانيين: إنه لا يستطيع أن يحمي هذا المشروع، وبالتالي فإنّ اسرائيل ستدمره كما فعلت بالمفاعل النووي العراقي يوم دمرته عام 1981.
ما حصل أنّ الرئيس بشار وبسبب عدم كفاءته ليكون رئيساً لسوريا ظنّ أنّ هذا المشروع النووي سيمنحه القوة، وقَبِل عرض الايرانيين ببناء مفاعل نووي في دير الزور… اكتشفته المخابرات الاسرائيلية عندما سافر مسؤول سوري كبير الى بريطانيا، وتحديداً لندن، حيث كانت تنتظره المخابرات الاسرائيلية «الموساد» في الفندق حيث وضع أغراضه وذهب الى السفارة السورية في لندن… فما كان من «الموساد» إلاّ أن دخلوا غرفة الضابط السوري الكبير وحصلوا على معلومات قيّمة عن المشروع النووي ووضعت (Ship) في الكمبيوتر لتحصل على كل معلومة داخل الجهاز.
للعِلم فإنّ المخابرات الاسرائيلية علمت بموضوع بناء مفاعل نووي في دير الزور من خلال التجسّس على المكالمات الهاتفية ليتبيّـن أنّ عدد الاتصالات بين دير الزور وبين كوريا بلغت في شهر واحد 10 آلاف مكالمة، في حين انه لم يكن هناك اتصال واحد قبل ذلك.
وهكذا، بعدما حصلت على المعلومات طلبت إسرائيل من أميركا أن تسمح لها بتدمير الموقع، فأبدت أميركا موافقتها ولكن بعد تزويدها بمعلومات عن الموقع، فقامت طائرات هليكوبتر إسرائيلية بعملية إنزال في دير الزور وحصلت على كل المعلومات المطلوبة، وأرسلتها الى أميركا حيث سمحت أميركا لإسرائيل بتدمير المفاعل النووي السوري عام 2006.
وكي تكتمل المؤامرة كان لا بد من القضاء على الزعيم اللبناني الكبير الذي هو الرئيس رفيق الحريري بطل «الطائف» ومن المؤسّسين والراعين لهذا الاتفاق، مع الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية، رحمه الله، الذي يعتبر من أهم وأذكى الوزراء والشخصيات في السعودية وفي العالم العربي، ويكفي أن يكون ابن الملك التاريخي الملك فيصل الذي تحدّى أميركا وقطع النفط التزاماً بقرار عربي كلفه حياته.
استغلت إيران غياب حافظ الأسد، فلم يبقَ أمامها أي سد منيع لمشروعها إلاّ الرئيس رفيق الحريري، فكان لا بد من التخلّص منه. وفي 5 شباط 2005 قامت جماعة إيران في لبنان وبالتعاون مع أجهزة المخابرات السورية وموافقة أجهزة مخابرات وأمن لبنان، بأكبر جريمة في تاريخ لبنان والتي أطلق عليها «جريمة العصر» فقتلوا الجبل الذي وقف سداً لمخططاتهم.
وهكذا انقلبت الأمور، وساعد ذلك وجود رئيس قليل الحنكة، كسول، لا يهمّه إلاّ أن «يتشمّس» يومياً، ويعرض عضلاته، ويغيّر ألوان ثياب السباحة «المايو»، فأوقع لبنان بين أيديهم… حيث سيطروا على الدولة من رئيس الدولة الى الوزراء الى النواب، إذ لا تسير أمور الدولة إلاّ برضاهم.
وعندما فرضوا الرئيس ميشال عون الذي يهوى السلطة وهو عبد لها، أكمل على لبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً..