IMLebanon

هدف واحد في مقاربتين

 

 

الهدف الأساسي قبل الرئاسة وبعدها الوصول إلى دولة واستقرار وازدهار ومساواة، والسؤال الذي تطرحه نخبة من الذين يحملون الهمّ السيادي: كيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟ هل في مواصلة المواجهة القائمة أم باعتماد مواجهة مختلفة؟

لا خلاف بان الانتخابات الرئاسية لن تعالج جوهر الأزمة اللبنانية المرتبط بتغييب الدولة، إنما الخلاف او التباين يكمن في كيفية التصدي لهذا التغييب المتواصل منذ العام 1990 إلى اليوم، وهذا التباين لم يولد بين ليلة وضحاها، بل على العكس كانت القوى السيادية كلها تخوض جنبا إلى جنب مواجهة تطبيق اتفاق الطائف الذي لم يطبّق شقه السيادي منذ إقراره، ولكن عندما تبيّن ان هذه المواجهة ستبقى ضمن حدود تسجيل النقاط ولن تنتهي بالضربة القاضية التي تستعيد الدولة معها قرارها المسلوب نشأت مقاربة مختلفة تحقيقا للهدف نفسه.

 

 

المقاربة الأولى

 

تنطلق المقاربة الأولى من ضرورة الحفاظ على المشتركات التي اجتمع حولها اللبنانيون، بدءا من اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، وصولا إلى القرارات الدولية التي ارتكزت على هذا الاتفاق وصدرت بسبب عدم تطبيقه، لأن اي مواجهة يجب ان تستند إلى نصوص مرجعية تشكل قاعدة صلبة ومساحة مشتركة بين اللبنانيين، ولو كان الخلل في هذه النصوص المرجعية لما كان الفريق الآخر رفض تطبيقها باعتبار ان مجرّد وضعها قيد التنفيذ ينتهي مشروع الفوضى الذي نشأ على حساب مشروع الدولة.

 

فلا مبرِّر للتراجع عن اتفاق ترفض مجموعة سياسية تطبيقه، والتراجع يعدّ خطوة انسحابية في الوقت الذي يجب التمسُّك فيه لثلاثة أسباب أساسية:

 

السبب الأول كونه دستور البلاد ولو طبِّق لكان استعاد لبنان مقوماته واستقراره وازدهاره، وكيف يصحّ التخلي عن دستور قائم من أجل لا شيء؟ وأليس المستفيد من التخلي عن “وثيقة الوفاق الوطني” الفريق الذي رفض ويرفض تطبيقها؟

 

 

السبب الثاني كونه من عدم الجائز التراجع عن اتفاق لمجرّد ان هناك من يرفض الالتزام بنصوصه، فيما يفترض المزيد من الإصرار على تنفيذه والتمسُّك به وليس استسهال الخروج منه، ما يدل على إحباط ويأس بينما المطلوب التحلي بالأمل والعزم مهما طال الزمن او قصر.

 

السبب الثالث كونه يشكل أوسع قاعدة جامعة للبنانيين، خصوصا ان مواجهة الفريق الانقلابي على الدستور تتطلّب أكبر وحدة صف وموقف ممكنة، وخلاف ذلك يؤدي إلى شرذمة الفريق السيادي، فضلا عن ان الفريق الذي يرفض وجود دولة سيرفض اي مشروع سياسي يؤدي إلى قيام دولة، وبالتالي من الأفضل التمسُّك بما هو قائم وشرعي ويحظى بغطاء محلي ودولي وليس التخلي عنه لمصلحة مشروع افتراضي.

 

ولا أحد ينظر إلى اتفاق الطائف كإنجيل وقرآن، إنما من الخطأ التنازل عن اتفاق لم يُطبّق، خصوصا ان الفريق الذي حال دون تطبيقه لا يريد اي اتفاق يُخرج لبنان من منطق الساحة إلى فلسفة الدولة.

 

المقاربة الثانية

 

لا تختلف المقاربة الثانية عن الأولى من زاوية التمسُّك باتفاق الطائف والقرارات الدولية وكل ما هو شرعي، إنما هي مقاربة متحرِّكة لا جامدة وتنطلق من الاعتبارات التالية:

 

الاعتبار الأول، فريق الممانعة ليس في وارد التخلي عن مشروعه طوعا، وإلزامه التخلي عن هذا المشروع غير ممكن، ولا مؤشرات خارجية قريبة إلى ان سلاحه سيكون على طاولة البحث، والمواجهة مع هذا المشروع لم تبدأ أمس، إنما ما زالت مستمرة منذ العام 2005، وعامل الوقت يخدم مشروع الفوضى المتمدِّد جغرافيا وديموغرافيا.

 

الاعتبار الثاني، بقدر ما ان التمسُّك بالنصوص المرجعية مهمّ للغاية، فإن صمود اللبنانيين بأرضهم يوازيه ولا بل يفوقه أهمية، لأن السيطرة على لبنان بشكل كامل تتحقّق مع التفريغ المتواصل لهذا البلد من ناسه وشبابه وطاقاته، ولا يُفترض الاستخفاف بهذا المعطى، خصوصا مع غياب مؤشرات الحلول للأزمة اللبنانية.

 

الاعتبار الثالث، إذا كان نزع السلاح متعذرا، وهو كذلك، فمن الواجب البحث عن الوسائل التي تحول دون هجرة اللبنانيين، وهذا البحث لا علاقة له بالمواجهة التي يجب ان تتواصل سعيا لتطبيق الطائف والقرارات الدولية.

 

الاعتبار الرابع، من المسلّم به ان تعديل الدستور غير ممكن من دون توافق جميع اللبنانيين، ومن المسلّم به أيضا ان الفريق الذي يمنع تطبيق الدستور بقوة السلاح لن يسمح بنظام سياسي جديد، وهذا ما يفترض البحث عما يمكن انتزاعه في ظل ميزان القوى القائم في سياق المزاوجة بين مواصلة المواجهة مع مشروع الفوضى، وبين الحدّ من الانعكاسات السلبية لهذا المشروع على مصالح الناس واستمرارها في لبنان.

 

 

الاعتبار الخامس، البند المتاح تحقيقه في الظروف الحالية كأولوية بعد الانتخابات الرئاسية يكمن في اللامركزية الموسعة، ولا يُفترض الاستخفاف بهذا الجانب ولا التقليل من أهميته كونه الوسيلة الوحيدة التي تحدّ من سطوة مشروع الفوضى على الدولة المركزية من جهة، وتفسح في المجال أمام الناس من تدبير شؤونها بمعزل عن هذا المشروع من جهة أخرى.

 

الاعتبار السادس، تجاوز عمر الأزمة اللبنانية النصف قرن تقريبا، وقد لا تنتهي هذه الأزمة على رغم اختلاف فصولها قبل نصف قرن ربما، وبالتالي يجب الوصول إلى الصيغة التي تفصل بالحدّ المقبول بين الأزمة من فوق وعيش الناس حياة طبيعية من تحت.

 

وانطلاقا مما تقدّم يجب العمل بالتكافل والتضامن على ثلاثة أهداف متلازمة:

 

الهدف الأول، العمل على نصاب نيابي يمنع مشروع الفوضى من السيطرة على المواقع الدستورية، لأن لا جدوى من معارضة من خارج مؤسسات ممسوكة من الممانعة، إنما من الضروري منع هذا الفريق من استخدام الدولة للنيل من خصومه، ومن الضروري أيضا إرساء التوازن داخل الدولة من قبل الفريق الذي يريد إعادة الاعتبار لدور الدولة ارتكازا على الدستور.

 

وقد أظهر ميزان القوى النيابي قدرته على منع الممانعة من انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما يجب تعزيزه وتطويره من خلال حثّ الناس على ضرورة الاقتراع الصحيح والسليم تمكينا لأصحاب مشروع الدولة من تحصين حضورهم وتقويته.

 

الهدف الثاني، العمل على نصاب وطني يُرسي التوازن مع مشروع الفوضى، ويشكل داعما أساسيًا للنصاب النيابي في سعيه إلى توسيع دور الدولة، وما فُقِد مع تفكُّك الحركة السيادية يجب استعادته ولو بأشكال أخرى كضرورة في سياق المواجهة مع الممانعة، وبالتالي تحقيق التكامل بين النصاب النيابي والنصاب الوطني.

 

الهدف الثالث، الدفع باتجاه إقرار اللامركزية الموسعة من النصابين النيابي والوطني، وغير صحيح ان إقرارها مصلحة مسيحية، إنما مصلحة وطنية لوقف تمدُّد الشيعية السياسية، وتعزيز صمود المناطق اللبنانية من صيدا إلى بيروت وطرابلس وعكار، ومن حاصبيا إلى المختارة وعاليه، ومن القليعة وبنت جبيل وجزين إلى جبل لبنان الشمالي والشمال…

 

ويمكن ان يستفيد مشروع الدولة من ثلاثة عوامل مساعدة أساسية:

 

العامل الأول، الاتفاق السعودي-الإيراني الذي جمّد الاشتباك المركزي في المنطقة، ما يعني عدم قدرة مشروع الفوضى على الاستفادة من الاشتباك الإقليمي لمواصلة مشروعه بشكل هجومي ومكشوف.

 

 

العامل الثاني، الميزان القوى النيابي الذي برهن عن تماسك وقدرة وعدم تساهل ورفض التنازل، وهذا ما يمكن التعويل عليه في المرحلة المقبلة واختلاف استحقاقاتها.

 

العامل الثالث، ميزان القوى الشعبي الذي يريد الاستقرار والازدهار، وميزان القوى الطوائفي المسيحي والسني والدرزي الرافض التعامل معه كملحق ومستتبع لشيعية سياسية تغرّد خارج إطار المشروع اللبناني.

 

فأي مقاربة من المقاربتين هي الأجدى حفاظا على ثلاثية الدولة والجغرافيا والديموغرافيا؟